و(قول عقبة: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج فصلى على أهل أحد صلاته على الميت) أي: دعا لهم بدعاء الموتى، وكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان قد استقبل القبلة، ودعا لهم، واستغفر، وهذا كما فعل حيث أمره الله تعالى أن يستغفر لأهل البقيع، فقام عليهم ليلًا، واستغفر لهم، ثم انصرف، كما تقدم في الجنائز.
و(قوله: أعطيت مفاتيح خزائن الأرض) أي: بُشر بفتح البلاد، وإظهار الدين، وإعلاء كلمة المسلمين، وتمليكه جميع ما كان في أيدي ملوكها من الصفراء، والبيضاء، والنفائس، والذخائر، فقد ملَّكه الله ديارهم، ورقابهم، وأرضيهم، وأموالهم. كل ذلك وفاءً بمضمون:{لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ}
و(قوله: إني والله لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي) يعني: أنه قد أمن على جملة أصحابه أن يُبدِّلوا دين الإسلام بدين الشرك. ولا يلزم من ذلك ألا يقع ذلك من آحادٍ منهم، فإنَّ الخبر عن الجملة لا يلزم صدقه على كل واحد من آحادها دائمًا، كيف لا؟ ! وهو الذي أخبر بأن منهم من يرتد بعد موته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما جاء نصًّا في غير ما موضع من أحاديث الحوض وغيرها، وقد ظهر في الوجود ردَّة كثيرٍ ممن صحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصلَّى معه، وجاهد، ثم كفر بعد موته. وقد تقدم قول ابن إسحاق وحكايته: أنه لم يبق بعد موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسجد من مساجد المسلمين إلا كان في أهله ردَّة، إلا ما كان من ثلاثة مساجد. وقتال أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ لأهل الردة معلوم متواتر، وإذا كان كذلك فيتعيَّن حمل هذا الحديث على ما ذكرناه.