للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَجَعَلتُ أَلتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأسَهُ فِي ثَوبِهِ يَبكِي،

ــ

و(قوله: فجعلت ألتفت يمينًا وشمالًا، فإذا كل إنسان لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي) هذه حالة العارفين بالله تعالى، الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما تفعله جُهَّال العوام، والمبتدعة الطَّغام من الزعيق والزفير، ومن النهيق الذي يشبه نهاق الحمير. فيقال لمن تعاطى ذلك، وزعم أن ذلك وجد وخشوع: إنك لم تبلغ ذلك، أي تساوي حال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى، والخوف منه، والتعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله تعالى، والبكاء خوفًا من الله، والوقار حياءً من الله، وكذلك وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة فقال: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ} فصدَّر الله تعالى الكلام في هذه الآية بـ إنما الحاصرة لما بعدها، المحققة له، فكأنه قال: المؤمنون على التحقيق هم الذين تكون أحوالهم هكذا عند سماع ذكر الله، وتلاوة كتابه، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم، ولا على طريقتهم، وكذلك قال الله تعالى في الآية الأخرى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعيُنَهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكتُبنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} فهذا وصف حالهم، وحكاية مقالهم، فمن كان مُستنًّا فليستن، ومن تعاطى أحوال المجانين والمجون، فهو من أخسَّهم حالًا، والجنون فنون. فإن قيل: فقد صحَّ عن جماعة من السلف أنهم صرخوا عند سماع القرآن، والمواعظ، فقد روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع قارئًا يقرأ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍ}، فصاح صيحة خرَّ مغشيًا عليه، فحمل إلى أهله، فلم يزل مريضًا شهرًا. وروي أن زرارة بن أوفى قرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} فصعق ومات في محرابه. وقرأ صالح المرِّي (١) على أبي جهين (١) فمات (٢)، وسمع الشافعي قارئًا يقرأ:


(١) في (م ٣): صالح المزني على أبي جهيم.
(٢) ليست في (م ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>