للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَنشَأَ رَجُلٌ مِن المَسجِدِ كَانَ يُلَاحَى فَيُدعَى لِغَيرِ أَبِيهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ

ــ

{هَذَا يَومُ لا يَنطِقُونَ * وَلا يُؤذَنُ لَهُم فَيَعتَذِرُونَ} فغشي عليه.

وسمع علي بن الفضل قارئًا يقرأ: {يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ} فسقط مغشيًّا عليه.

فالجواب: أين الدرُّ من الصدف، والمسك من الجيف؟ هيهات قياس الملائكة بالحدَّادين، والمحقِّقين بالممخرقين (١). فإنَّ كنت - يا من لُبِّس عليه - تدَّعي أنك على نعتهم فمت كموتهم، فتنبَّه لبهرجتك، فإنَّ الناقد بصير، والمحاسب خبير. ثم يقال لمن صرخ في حال خطبة الجمعة: إن كنت قد ذهب عقلك حال صعقتك، فقد خسرت في صفقتك، إذ قد سلب عقلك، وذهب فهمك، ولحقت بغير المكلفين، وصرت كالصبيان والمجانين، وحُرِمت سماع الموعظة، وشهود الخطبة. وقد قال مشايخ الصوفية: مهما كان الوارد مانعًا من القيام بفرض، ومانعًا من الخير فهو من الشيطان. ثم يلزم من ذهب عقله أن ينتقض وضوؤه، فإنَّ صلى بعد تلك الغشية الجمعة ولم يتوضأ، كان كمن يشهد (٢) الخطبة ولا صلى، فأي صفقة أخسر ممن هذه صفقته؟ وأي مصيبة أعظم ممن هذه مصيبته؟ وإن كان وقت صراخه في غفلة فقد تكلم في حال الخطبة، وشوش على الحاضرين سماعها، وأظهر بدعة في مجتمع الناس، وعرضهم لأن يجب عليهم تغييرها، فإنَّ لم يفعلوا عصوا، فقد عصى الله من جهات متعددة، وحمل الناس على المعصية، إلى ما ينضاف إلى ذلك من رياء كامنٍ في القلب، وفِسق ظاهر على الجوارح. فنسأل الله تعالى الوقاية من الخذلان، وكفاية أحوال الجهَّال والمجَّان.

و(قوله: ثم أنشأ (٣) رجل من المسجد كان يُلاحَى فَيُدعَى لغير أبيه) أنشأ: أخذ في الكلام، وشرع فيه، ويُلاحَى: يُعيَّرُ ويُذَّم، بأن يُنسَبَ إلى غير أبيه، ويُنفى


(١) جمع ممخرق، وهو المموِّه.
(٢) في (ع): كمن لم يشهد.
(٣) في التلخيص ومسلم: فأنشأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>