و(قوله: لم يكذب إبراهيم النبي ـ عليه السلام ـ قط إلا ثلاث كذبات، ثنتين في ذات الله، قوله:{إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله: {بَل فَعَلَهُ كَبِيرُهُم هَذَا} وواحدة في شأن سارة) قد تقدَّم الكلام على هذه الكذبات في كتاب الإيمان، وذكرنا هناك: أنها أربع، زيد فيها قوله للكوكب:{هَذَا رَبِّي} ولم يذكرها في هذا الحديث، مع أنه قد جاء بلفظ الحصر، فينبغي ألا يقال عليها: كذبة في حق إبراهيم، إذ قد نفاها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهذا الحصر، وإنَّما لم تعد عليه كذبة وهي أدخل في الكذب من هذه الثلاث، لأنَّه - والله أعلم - حين قال ذلك في حال الطفولية، وليست حال تكليف، ويقوي هذا المعنى قول من حكى عنه ذلك، كما تقدَّم في الإيمان.
و(قوله: اثنتين في ذات الله) أي: في الدفع عن وجود الله، وبيان حجته على أن المستحق للإلهية هو الله تعالى لا غيره، فاعتذر عمَّا دعوه إليه من الخروج معهم بأنه سقيم، فورى بهذا اللفظ، وهو يريد خلاف ما فهموا عنه - كما بيَّناه في الإيمان - حتى يخلو بالأصنام فيكسرها، ففعل ذلك، وترك كبير الأصنام لينسب إليه كسرها بذلك (١)، قولًا يقطعهم به، فإنَّهم لما رجعوا من عيدهم فوجدوا الأصنام مكسَّرة:{قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} فقال بعضهم: {سَمِعنَا فَتًى يَذكُرُهُم يُقَالُ لَهُ إِبرَاهِيمُ} وكان هذا الذكر هو قول إبراهيم لهم: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصنَامَكُم بَعدَ أَن تُوَلُّوا مُدبِرِينَ} فلما أحضروه: قَالُوا: {أَأَنتَ فَعَلتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبرَاهِيمُ} فأجابهم بقوله:
(١) رواه مالك في الموطأ (٢/ ٩٢٢) موقوفًا على أبي هريرة بلفظ: "خمس من الفطرة" وأما الزيادة فرواها رزين كما في جامع الأصول (٤/ ٧٧٧).