و(قوله: فكان للحوت سربًا) أي: مسلكًا. عن مجاهد قال قتادة: جمد الماء فصار كالسِّرب.
و(قوله: وكان لموسى وفتاه عجبًا) لما تذكرا، فرجعا، فعجبا من قدرة الله على إحياء الحوت، ومن إمساك جري الماء حتى صار بحيث يسلك فيه.
و(قوله: فانطلقا بقية يومهما وليلتهما) يعني: بعد أن قاما من نومهما، ونسيا حوتهما، أي: غفلا عنه، ولم يطلباه لاستعجالهما. وقيل: نسي يوشع الحوت، وموسى أن يأمره فيه بشيء. وقيل: نسي يوشع فنسب النسيان إليهما للصحبة، كقوله تعالى:{يَخرُجُ مِنهُمَا اللُّؤلُؤُ وَالمَرجَانُ} وعلى هذا القول يدل قوله في الحديث: ونسي صاحب موسى أن يخبره، ويظهر منه: أن يوشع أبصر ما كان من الحوت ونسي أن يخبر موسى في ذلك الوقت.
و(قوله: فلما أصبح قال موسى: {لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَد لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} هذا يدلّ على أنهما كانا تزوَّدا، وقيل: كان زادهما الحوت، وكان مملَّحًا.
قلت: والظاهر من الحديث: أنه إنما حمل الحوت معه، ليكون فقده دليلًا على موضع الخضر، كما تقدَّم من قوله تعالى لموسى: احمل معك حوتًا في مكتل، فحيث تفقد الحوت فهو ثمَّ، وعلى هذا فيكون تزوَّدا شيئًا آخر غير الحوت. والنصب: التعب والمشقة. وقيل: عنى به هنا: الجوع.
وفيه دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم والأمراض، وأن ذلك لا يقدح في الرّضا، ولا في التسليم للقضاء، لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا تسخُّط.