للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَام: {هَل أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمتَ رُشدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبرًا * وَكَيفَ تَصبِرُ عَلَى مَا لَم تُحِط بِهِ خُبرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعصِي لَكَ أَمرًا}

ــ

قلت: ولا بعد فيما ظهر من رواية مسلم، لأنَّ الخضر إن كان نبيًا فقد اكتفى بما تعبَّده الله به من الأحكام، وإن كان غير نبي فليس متعبدًا بشريعة بني إسرائيل، إذ يمكن أن لا يكون منهم. والله أعلم، وسيأتي القول في نبوته. وأما مساق رواية البخاري، فهو مساق حسن لا يرد عليه من هذا الاستبعاد شيء، لأنَّ مقتضاه: أن لكل واحد منهما علما خاصا به لا يعلمه الآخر، ويجوز أن يشتركا في علم التوراة، وغيرها مما شاء الله أن يشركهما فيه من العلوم، ويظهر لي أن الذي خصَّ به موسى ـ عليه السلام ـ: العلم بالأحكام، والمصالح الكلية التي تنتظم بها مصالح الدنيا، لأنَّه أرسل إلى عامة بني إسرائيل.

وقول موسى: {هَل أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِي}، سؤال ملاطفة، أي: هل يمكن كوني معك حتى أتعلم منك؟ فأجابه بما يقتضي أن ذلك ممكن لولا المانع الذي من جهتك، وهو عدم صبرك، فقال جازمًا في قضيته، لما علمه من حالته: {إِنَّكَ لَن تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبرًا}، ثم بيَّن وجه عذره عن ذلك بقوله: {وَكَيفَ تَصبِرُ عَلَى مَا لَم تُحِط بِهِ خُبرًا}، معناه: إنك لا تصبر عن الإنكار والسؤال، وأنت في ذلك كالمعذور، لأنَّك تشاهد أمورًا ظاهرة، ولا تعرف بواطنها وأسرارها. وانتصبت خبرًا على التمييز المنقول عن الفاعل، وقيل على المصدر الملاقي في المعنى، لأنَّ قوله: لم تحط معناه: لم تُخبر، فكأنه قال: لم تخبره خبرًا، وإليه أشار مجاهد. والخبير بالأمور: هو العالم بخفاياها، وبما يختبر منها.

وقوله: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعصِي لَكَ أَمرًا}،

<<  <  ج: ص:  >  >>