للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ لَهُ الخَضِرُ {فَإِنِ اتَّبَعتَنِي فَلا تَسأَلنِي عَن شَيءٍ حَتَّى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكرًا} قَالَ: نَعَم، فَانطَلَقَ الخَضِرُ وَمُوسَى يَمشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البَحرِ، فَمَرَّت بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَكَلَّمَاهُم أَن يَحمِلُوهُمَا، فَعَرَفُوا الخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيرِ نَولٍ، فَعَمَدَ الخَضِرُ إِلَى لَوحٍ مِن أَلوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ،

ــ

هذا تفويض إلى الله تعالى في الصبر، وجزمٌ بنفي المعصية، وإنما كان منه ذلك، لأن الصبرَ أمر مستقبل، ولا يدري كيف يكون حاله فيه، ونفي المعصية معزومٌ عليه حاصل في الحال، فالاستثناء فيه يُنافي العزمَ عليه والله تعالى أعلم. ويُمكن أن يفرَّق بينهما بأن الصبرَ ليس مُكتسبًا لنا بخلاف فعل المعصية وتركها، فإن ذلك كله مكتسب لنا.

وقوله: {فَإِنِ اتَّبَعتَنِي فَلا تَسأَلنِي عَن شَيءٍ حَتَّى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكرًا}، هذا من الخَضِر تأديبٌ، وإرشادٌ لما يقتضي دوامَ الصُّحبة، ووعدٌ بأنه يُعرِّفه بأسرار ما يراه من العجائب، فلو صبرَ ودَأبَ لرأى العجبَ، لكنَّه أكثر من الاعتراض، فتعيَّن الفِراق والإعراض.

و(قوله: فانطلقا (١) يمشيان على ساحل البحر) يعني: الخضر وموسى، ولم يذكر معهما فتى موسى، فدلَّ على أنه لم يكن معهما، أو أنه تخلَف عنهما، ويحتمل أنه اكتفى بذكر المتبوع عن التابع.

و(قوله: فعرفوا الخَضِر، فحملوهما بغير نَول) أي: بغير شيء ناله أصحابُ السفينة منهما، أي: بغير جُعل، والنَّولُ والنَّالُ والنَّيلُ: العطاء. وفيه ما يدلُ على قَبُول الرجل الصالح ما يُكرمُه به من يعتقدُ فيه صلاحًا، ما لم يتسبَّب هو بإظهار صلاحه لذلك، فيكون قد أَكَلَ بدينه وذلك مُحرَّم وربا.


(١) في صحيح مسلم والتلخيص: "فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر".

<<  <  ج: ص:  >  >>