للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فطافا في المجالس فـ {استَطعَمَا أَهلَهَا فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} يَقُولُ: مَائِلٌ

ــ

القُرى التي تبخل بالقِرى ويحتمل أن يكون سؤالهما الضيافة عند حاجتهما إلى ذلك، وقد بيَّنَّا: أن من جاع وجب عليه أن يطلب ما يرد به جوعه، ففيه ما يدل: على جواز المطالبة بالضيافة، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إذا نزلتم بقوم فلم يضيفوكم فاطلبوا منهم حق الضيف (١). وقد تقدَّم القول في الضيافة وأحكامها، ويعفو الله عن الحريري، فإنَّه تسخَّف في هذه الآية وتمَجَّن، فاستدل بها على الكُديَةِ (٢) والإلحاح فيها، وأن ذلك ليس بعيب على فاعله ولا منقصة عليه فقال:

فإنَّ رُددت فما بالردِّ منقَصَةٌ ... عليك قد رُدَّ موسى قبل والخضر

وهذا لعبٌ بالدِّين، وانسلال عن احترام النبيين، فهي: شنشنة أدبية وهفوة سخافية، ويرحم الله السَّلف الصالح فإنَّهم بالغوا في وصية كل ذي عقل راجح، فقالوا: مهما كنت لاعبًا بشيء، فإياك أن تلعب بدينك.

وقوله: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ}، الجدار: الحائط. وينقض: يسقط. ووصفه بالإرادة مجاز مستعمل، وقد فسره في الحديث بقوله: يقول: مائل فكان فيه دليل على وجود المجاز في القرآن، وهو مذهب الجمهور، ومما يدلّ على استعمال ذلك المجاز وشهرته، قول الشاعر:

يُريد الرُّمح صَدرَ أبي بَراءٍ ... ويَرغَبُ عن دِماء بَنِي عَقِيل

وقال آخر:

إنَّ دَهرًا يَلُفُّ شَملِي بِسَلمى (٣) ... لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإحسانِ


(١) رواه أحمد (٤/ ١٤٩)، والبخاري (٢٤٦١)، ومسلم (١٧٢٧)، وأبو داود (٣٧٥٢)، والترمذي (١٥٨٩)، وابن ماجه (٣٦٧٦).
(٢) الكُدْية: حرفة السائل المُلِحِّ (الشِّحاذة).
(٣) في اللسان والصحاح: بجُمْل.

<<  <  ج: ص:  >  >>