للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر وهو مفسِّر للفظ كتاب مسلم (١). والله تعالى أعلم.

وفي هذا الحديث تنبيه على أصول عظيمة:

منها: أن لله تعالى بحكم مِلكه ومُلكه أن يفعل ما يريد، ويحكم في خلقه بما يشاء مما ينفعنا، أو يضرنا، فلا مدخل لعقولنا في أفعاله، ولا معارضة لأحكامه، بل يجب علينا الرضا والتسليم، فإنَّ إدراك العقل لأسرار أحكام الربوبية قاصر سقيم، فلا يتوجه عليه في فعله لِمَ؟ وكيف؟ كما لا يتوجه عليه في وجوده أين، وحيث.

ومنها: أن لا يحسن، ولا يقبح، وأن ذلك راجع إلى الشرع، فما حسَّنه بالثناء عليه فهو حسن، وما قبَّحه بالذم عليه فهو القبيح.

ومنها: أن لله تعالى فيما يجريه حكمًا وأسرارًا راعاها، ومصالح راجعة إلى خلقه اعتبرها. كل ذلك بمشيئته وإرادته من غير وجوب عليه، ولا حكم عقلي يتوجَّه إليه، بل ذلك بحسب ما سبق في علمه، ونافذ حكمه، فما اطلع عليه من تلك الأسرار عرف، وما لا فالعقل عنده يقف. وحذار من الاعتراض والإنكار! فإنَّ مآل ذلك إلى الخيبة وعذاب النَّار.

ومنها: أنَّه عالم بما كان، وبما يكون، وبما لا يكون: أن لو كان كيف كان يكون. وفوائد هذا الحديث كثيرة، وعلومه غزيرة، وفيما ذكرناه كفاية. والله الموفق للهداية.

تنبيه على مَغلَطتين:

الأولى: وقع لبعض الجهَّال: أن الخضر أفضل من موسى عليهما السلام، متمسِّكًا بهذه القصة، وبما اشتملت عليه. وهذا إنما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة، ولم ينظر في شيء من أحوال موسى ـ عليه السلام ـ، ولا فيما خصَّه الله تعالى من الرسالة، وسماع كلام الله تعالى المنزه عن الحروف والأصوات، وإعطائه التوراة التي فيها علم كل شيء، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته، ومخاطبون بأحكام توراته حتى عيسى


(١) انظر رواية البخاري برقم (٤٧٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>