للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ـ عليه السلام ـ، ألا ترى: أن الله تعالى قال: {إِنَّا أَنزَلنَا التَّورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} والإنجيل وإن كان هدى فليس فيه من الأحكام إلا قليل، ولم يجئ عيسى ـ عليه السلام ـ ناسخًا لأحكام التوراة، بل معلمًا لها، ومبيِّنًا أحكامها، كما قال تعالى حكاية عنه: {وَيُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَالتَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ} وعلى هذا فهو أَمَامَهم، وإِمامهم، وأعلمهم، وأفضلهم. ويكفي من ذلك قوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصطَفَيتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} وأن موسى من أولي العزم من الرسل، وأن أول من ينشق عنه القبر (١) نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فيجد موسى ـ عليه السلام ـ متعلقًا بساق العرش، وأنه ليس في محشر يوم القيامة أكثر من أمَّته بعد أمَّة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، إلى غير ذلك من فضائله.

فأما الخضر ـ عليه السلام ـ فلم يُتَّفق على أنَّه نبي، بل هو أمرٌ مختلف فيه، هل هو نبي أو ولي، فإنَّ كان نبيًا فليس برسول بالاتفاق، إذ لم يقل أحدٌ: أن الخضر ـ عليه السلام ـ أرسل إلى أمَّة، والرَّسول أفضل من نبي ليس برسول. وإن تنزلنا على أنه رسول، فرسالة موسى أعظم، وأمَّته أكثر، فهو أفضل. وإن قلنا: إن الخضر كان وليًا، فلا إشكال أن النبي أفضل من الولي. وهذا أمرٌ مقطوع به عقلًا ونقلًا، والصائر إلى خلافه كافر، فإنَّه أمرٌ معلوم من الشرائع بالضرورة، ولأنه واحد من أمَّة موسى، أو غيره من الأنبياء، ونبي كل أمَّة أفضل منها قطعًا، آحادًا أو جمعًا، وإنَّما كانت قصة موسى مع الخضر امتحانًا لموسى ليتأدَّب ويعتبر، كما قد ابتلي غيره من الأنبياء بأنواع من المحن والبلاء.

المغلطة الثانية: ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق يلزم منه هَدُّ الأحكام الشرعية، فقالوا: هذه الأحكام الشرعية إنما يحكم بها على الأغنياء


(١) في (م ٣): تنشق عنه الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>