للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضرِب عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ! فَقَالَ: إِنَّهُ قَد شَهِدَ بَدرًا، وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قد اطَّلَعَ عَلَى أَهلِ بَدرٍ فَقَالَ اعمَلُوا مَا شِئتُم فَقَد غَفَرتُ لَكُم! فَأَنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ}

ــ

و(قول عمر رضي الله عنه دعني أضرب عنق هذا المنافق)، إنما أطلق عليه اسم النفاق لأنَّ ما صدر منه يشبه فعل المنافقين، لأنَّه والى كفار قريش وباطنهم وهمَّ بأن يطلعهم على ما عزم عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غزوهم، مع أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كان دعا فقال: اللهم أخف أخبارنا عن قريش (١)، لكن حاطبًا لم ينافق في قلبه ولا ارتد عن دينه، وإنما تأوَّل فيما فعل من ذلك أن إطلاع قريش على بعض أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يضر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويخوِّف قريشًا. ويُحكى أنه كان في الكتاب تفخيم أمر جيش رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنهم لا طاقة لهم به، يخوِّفهم بذلك ليخرجوا عن مكة ويفرُّوا منها، وحسَّن له هذا التأويل تعلق خاطره بأهله وولده، إذ هم قطعة من كبده، ولقد أبلغ من قال: قلَّما يفلح من كان له عيال. لكن لطف الله به ونجَّاه لما علم من صحَّة إيمانه وصدقه، وغفر له بسابقة بدر وسَبقه.

و(قوله صلى الله عليه وسلم وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، معنى يدريك: يعلمك، ولعل: للترجي، لكن هذا الرجاء محقق للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدليل ما ذكر الله تعالى في قصة أهل بدر في آل عمران والأنفال من ثنائه عليهم وعفوه عنهم، وبدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للذي قال في حاطب إنه يدخل النار وأقسم عليه: كذبت، لا يدخلها؛ فإنَّه شهد بدرًا! (٢)، فهذا إخبار


(١) لم نجده بهذا اللفظ، وفي السيرة النبوية، لابن هشام (٢/ ٣٩٧): "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش".
(٢) هو الحديث رقم (٢٥٠٩) ولم يرد في أصول التلخيص، وأثبتناه من صحيح مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>