للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي رواية: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرثَدٍ الغَنَوِيَّ وَالزُّبَيرَ بنَ العَوَّامِ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ.

رواه أحمد (١/ ٧٩)، والبخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤)، وأبو داود (٢٦٥٠)، والترمذيُّ (٣٣٠٥).

ــ

محقق لا احتمال فيه ولا تجوُّز، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم اعملوا ما شئتم إباحة كل الأعمال والتخيير فيما شاؤوا من الأفعال، وذلك في الشريعة محال؛ إذ المعلوم من قواعدها أن التكليف بالأوامر والنواهي متوجهة على كل من كان موصوفًا بشرطها إلى موته، ولما لم يصح ذلك الظاهر اضطر إلى تأويله فقال أبو الفرج الجوزي: ليس قوله اعملوا ما شئتم للاستقبال، وإنَّما هي للماضي، وتقديره: أيُّ عمل كان لكم فقد غفرته. قال: ويدلّ على ذلك شيئان؛

أحدهما: أنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر (١).

والثاني: أنه كان يكون إطلاقًا في الذنوب - ولا وجه لذلك، ويوضح هذا أن القوم خافوا من العقوبة فيما بعد، فقال عمر: يا حذيفة (٢)، هل أنا منهم؟

قلت: وهذا التأويل وإن كان حسنًا غير أن فيه بُعدا، تبيينه أنَّ اعملوا صيغته صيغة الأمر، وهي موضوعة للاستقبال، ولم تضع العرب قط صيغة الأمر موضع الماضي لا بقرينة ولا بغير قرينة، هكذا نص عليه النحويون، وصيغة الأمر إذا وردت بمعنى الإباحة إنما هي بمعنى الإنشاء والابتداء لا بمعنى الماضي، فتدبَّر هذا فإنه حسن، وقد بينته في الأصول بأشبع من هذا، واستدلاله على ذلك بقوله فقد غفرت لكم ليس بصحيح؛ لأنَّ اعملوا ما شئتم يستحيل أن يحمل على طلب الفعل، ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي لما ذكرناه، فتعيَّن


(١) في (م ٤): سأغفر.
(٢) حذيفة بن اليمان هذا هو صاحب سِرِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسماء المنافقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>