رواه أحمد (٣/ ٣٢٥)، ومسلم (٢٤٩٥)، والترمذيُّ (٣٨٦٤)، والنسائي في الكبرى (٨٢٩٦).
ــ
حمله على الإباحة والإطلاق، وحينئذ يكون خطاب إنشاء، فيكون كقول القائل: أنت وكيلي، وقد جعلت لك التصرف كيف شئت - فإنَّ ذلك إنما يقتضي إطلاق التصرف في وقت التوكيل لا قبل ذلك، وقد ظهر لي وجه آخر وأنا أستخير الله فيه وهو: أن الخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمَّن أن هؤلاء القوم حصلت لهم حالة غفرت لهم بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا بها لأن يغفر لهم ذنوب مستأنفة إن وقعت منهم، لا أنهم نُجِّزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة، بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع، ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء ما وجود ذلك الشيء، إذ لا يلزم من وجود أهلية الخلافة وجودها لكل من وجدت له أهليتها، وكذلك القضاء وغيره، وعلى هذا فلا يأمن من حصلت له أهلية المغفرة من المؤاخذة على ما عساه أن يقع منه من الذنوب، وعلى هذا يخرج حال كل من بشَّره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه مغفورٌ له وأنه من أهل الجنة، فيتضمَّن ذلك مغفرة ما مضى وثبوت الصلاحية للمغفرة والجنة بالنسبة لما يستقبل. ولذلك لم يزل عن أحد ممن بُشِّر بالمغفرة أو بالجنة خوف التبديل والتغيير من المؤاخذة على الذنوب ولا ملازمة التوبة منها والاستغفار دائمًا، ثم إن الله تعالى أظهر صدق رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للعيان في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك، فإنَّهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة من أمور الدين ومراعاة أحواله والتمسك بأعمال البر والخير إلى أن توفوا على ذلك، ومن وقع منهم في معصية أو مخالفة لجأ إلى التوبة ولازمها حتى لقي الله تعالى عليها، يعلم ذلك قطعًا من أحواله من طالع سيرهم وأخبارهم.