وقد وضح من هذا الحديث إبطال قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين، لأنَّه لم تقم بينة معتبرة بنفاقهم؛ إذ قد نص فيه على المانع من ذلك، وهو غير ما قالوه. وفيه ما يدلّ على أن أهون الشرين يجوز العمل على مقتضاه إذا اندفع به الشر الأعظم. وفيه دليل على القول بصحة الذرائع، وعلى تعليل نفي الأحكام في بعض الصور بمناسبٍ لذلك النفي.
(قوله: أتدرون ما المفلس؟ ) كذا صحت الرواية بـ (ما) فقد وقعت هنا على من يعقل، وأصلها لما لا يعقل. والمفلس: اسم فاعل من أفلس: إذا صار مفلسا، أي: افتقر، وكأنه صارت دراهمه فلوسا، كما يقال: أجبن الرجل: إذا صار أصحابه جبناء، وأقطف: إذا صارت دابته قطوفا (١)، ويجوز أن يراد به: إنه صار الرجل يقال فيه: ليس معه فلس، كما يقال: أقهر الرجل: إذا صار إلى حال يُقهر عليها، وأذل الرجل: إذا صار إلى حال يُذل فيها، وقد فلّسه القاضي تفليسا: نادى عليه: أنه أفلس.
و(قوله: المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة. . . الحديث) أي: هذا أحق باسم المفلس؛ إذ تؤخذ منه أعماله التي تعب في تصحيحها بشروطها، حتى قُبلت منه، فلما كان وقت فقره إليها أُخذت منه، ثم طُرح في النار. فلا إفلاس أعظم من هذا، ولا أخسر صفقة ممن هذه حاله، ففيه ما يدلّ على وجوب السعي في التخلص من حقوق الناس في الدنيا بكل ممكن، والاجتهاد في ذلك، فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا، فالإكثار من الأعمال الصالحة، فلعله بعد أخذ ما عليه تبقى له بقية راجحة، والمرجو من كرم الكريم لمن صحت في الأداء نيته، وعجزت عن ذلك قدرته أن يرضي الله عنه خصومه، فيغفر للمطالب والمطلوب، ويوصلهم إلى أفضل محبوب، وقد تقدَّم ذكر من قال: إن الصوم