للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مدح الله من انتصر ممن بغي عليه من غير زيادة على مقدار ما فُعل به، يعني: أنه إنما مدح من حيث إنه اتقى الله في انتصاره، إذا أوقعه على الوجه المشروع، ولم يفعل ما كانت الجاهلية تفعل من الزيادة على الجناية. وقال غيره: إنما مدح الله من انتصر من الظالم الباغي المعلن بظلمه الذي يعُم ضرره، فالانتقام منه أفضل، والانتصار عليه أولى. قال معناه إبراهيم النخعي، ولا خفاء في أن العفو عن الجناة وإسقاط المطالبة عنهم بالحقوق، مندوب إليه، مرغّب فيه على الجملة، لقوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزمِ الأُمُورِ} ولقوله: {فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ} وقوله: {وَليَعفُوا وَليَصفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقوله: {وَأَن تَعفُوا أَقرَبُ لِلتَّقوَى} ولقوله صلى الله عليه وسلم: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا (١)، وقوله: تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك (٢) ونحوه كثير، ومع ذلك فاختلف العلماء في المحاللة من الحقوق، فقال سعيد بن المسيب: لا أحلل أحدا. وظاهره: أنه كان لا يجيز أن يعفو عن حق وجب له، ولا يسقطه، ولم يفرق بين الظالم ولا غيره، وهذا هو الذي فهمه مالك عنه.

وذهب غيره إلى أنه تجوز المحاللة من جميع الحقوق وإسقاطها، وإليه ذهب محمد بن سيرين، والقاسم بن محمد، كان يحلل من ظلمه، ويكره لنفسه الخصوم. وفرق آخرون بين الظالم، فلم يحللوه، وبين غيره فحللوه، وإليه ذهب إبراهيم النخعي، وهو ظاهر قول مالك، وقد سئل فقيل له: أرأيت الرجل يموت، ولك عليه دَين، ولا وفاء له به؟ قال: أفضل عندي أن أحلله، وأما الرجل يظلم الرجل فلا أرى ذلك. قال الله عز وجل: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظلِمُونَ النَّاسَ} فظاهر هذا: أن


(١) رواه مسلم (٢٥٨٨)، والترمذي (٢٥٣٠)، والموطأ (٢/ ١٠٠٠).
(٢) رواه البزار كما في كشف الأستار (١٩٠٦) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ١٥٤): وفيه سليمان بن داود اليمامي متروك.

<<  <  ج: ص:  >  >>