للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٤٩٦] وعنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدرُونَ مَا الغِيبَةُ؟ قَالُوا:

ــ

الظالم لا يجوز أن يحلل، ولم يفرق بين الحقوق، فيكون مذهبه كمذهب النخعي المتقدم، غير أنه قد روي قول مالك هذا بلفظ آخر، فقال: أما الرجل يغتاب الرجل، وينتقصه، فلا أرى ذلك، ففهم بعض أصحابنا من هذا: أن ترك المحاللة إنما منعه في الأعراض خاصة، وأما في سائر الحقوق فيجوز، وسبب هذا الخلاف: هل تلك الأدلة مبقاة على ظواهرها من التعميم، أو هي مخصصة فيخرج منها الظالم، لأنَّ تحليله من المظالم يجرّئه على الإكثار منها، وهو ممنوع بالإجماع، ثم ذلك عون له على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ} وأما الفرق بين الأعراض وغيرها فمبالغة في سد ذريعة الأعراض ليسارتها وتساهل الناس في أمرها، فاقتضى ذلك المبالغة في الردع عنها، فإذا علم الذي يريد أن يغتاب مسلما أن الغيبة وأعراض المسلمين لا يعفى عنها، ولا يخرج منها، امتنع من الوقوع فيها.

قلت: ويرد على هذه التخصيصات سؤالات يطول الكلام بإيرادها والانفصال عنها، والتمسك بالعموم هو الأصل المعلوم، لاسيما مع قوله صلى الله عليه وسلم: أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم، كان إذا أصبح يقول: اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك (١) ومع الأصل الكلي في حقوق بني آدم من جواز تصرفهم فيها بالإعطاء والمنع، والأخذ والإسقاط، والله تعالى أعلم.

تفريع: القائلون بجواز التحلل وإسقاط الحقوق اختلفوا: هل تسقط عن الظالم مطالبة الآدمي فقط، ولا تسقط عنه مطالبة الله عز وجل؟ أو يسقط عنه الجميع؟ لأهل العلم فيه قولان.

و(قوله: أتدرون ما الغيبة؟ ) كأن هذا السؤال صدر عنه بعد أن جرى ذكر


(١) ذكره ابن الأثير في أسد الغابة (٦/ ١٧٧)، وقال: رواه أبو عمر (ابن عبد البر).

<<  <  ج: ص:  >  >>