يصدر عنه في حال غضبه شيء من تلك الأمور، فيتعلق به حق مسلم، فدعا الله تعالى، ورغب إليه في أنه: إن وقع منه شيء من ذلك لغير مستحق في ألا يفعل بالمدعو عليه مقتضى ظاهر ذلك الدعاء، وأن يعوضه من ذلك مغفرة لذنوبه ورفعة في درجاته، فأجاب الله تعالى طلبة نبيه صلى الله عليه وسلم ووعده بذلك، فلزم ذلك بوعده الصدق وقوله الحق، وعن هذا عبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: شارطت ربي، وشرط علي ربي، واتخذت عنده عهدا لن يخلفنيه لا أن الله تعالى يُشترط عليه شرط، ولا يجب عليه لأحد حق، بل ذلك كله بمقتضى فضله وكرمه على حسب ما سبق في علمه.
فإن قيل: فكيف يجوز أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم لعن أو سب، أو جلد لغير مستحقه، وهو معصوم من مثل ذلك في الغضب والرضا؛ لأنَّ كل ذلك محرم وكبيرة، والأنبياء معصومون عن الكبائر، إما بدليل العقل، أو بدليل الإجماع، كما تقدَّم.
قلت: قد أشكل هذا على العلماء، وراموا التخلص من ذلك بأوجه متعددة، أوضحها وجه واحد، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يغضب لما يرى من المغضوب عليه من مخالفة الشرع، فغضبه لله تعالى لا لنفسه، فإنَّه ما كان يغضب لنفسه ولا ينتقم لها، وقد قررنا في الأصول: أن الظاهر من غضبه تحريم الفعل المغضوب من أجله. وعلى هذا فيجوز له أن يؤدب المخالف له باللعن والسب والجلد والدعاء عليه بالمكروه، وذلك بحسب مخالفة المخالف، غير أن ذلك المخالف قد يكون ما صدر منه فلتة أوجبتها غفلة، أو غلبة نفس، أو شيطان، وله فيما بينه وبين الله تعالى عمل خالص، وحال صادق، يدفع الله عنه بسبب ذلك أثر ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم له من ذلك القول أو الفعل. وعن هذا عبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن تجعلها له طهورا،