بالمغفرة، وأما استغفار ما لا يعقل، فهو - والله أعلم - أن الله يغفر له، ويأجره بعدد كل شيء لحقه أثر من علم العالم. وبيان ذلك: أن العالم يبين حكم الله تعالى في السماوات وفي الأرض، وفي كل ما فيهما، وما بينهما، فيغفر له ذنبه، ويعظم له أجره بحسب ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك على جهة الإغياء، والأول أولى، والله تعالى أعلم.
و(قوله: وإن فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) هذه المفاضلة لا تصح حتى يكون كل واحد منهما قائما بما وجب عليه من العلم والعمل؛ فإنَّ العابد وترك شيئًا من الواجبات، أو عملها على جهل لم يستحق اسم العابد، ولا تصح له عبادة، والعالم لو ترك شيئا من الواجبات لكان مذموما، ولم يستحق اسم العالم، فإذًا محل التفضيل: إنما هو في النوافل، فالعابد يستعمل أزمانه في النوافل من الصلاة والصوم والذكر، وغير ذلك، والعالم يستعمل أزمانه في طلب العلم وحفظه وتقييده وتعليمه، فهذا هو الذي شبهه بالبدر، لأنَّه قد كمل في نفسه، واستضاء به كل شيء في العالم من حيث إن علمه تعدى لغيره، وليس كذلك العابد؛ فإنَّ غايته أن ينتفع في نفسه، ولذلك شبهه بالكوكب الذي غايته أن يظهر نفسه.
و(قوله: وإن العلماء ورثة الأنبياء) إنما خص العلماء بالوراثة، وإن كان العباد - أيضًا - قد ورثوا عنه العلم بما صاروا به عبادا، لأنَّ العلماء هم الذين نابوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في حملهم العلم عنه، وتبليغهم إياه لأمته، وإرشادهم لهم وهدايتهم. وبالجملة فالعلماء: هم العالمون بمصالح الأمة بعده، الذابون عن سنته، الحافظون لشريعته، فهؤلاء الأحق بالوراثة، والأولى بالنيابة والخلافة، وأما العباد فلم يطلق عليهم اسم الوراثة لقصور نفعهم ويسير حظهم.
و(قوله: إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما) يعني: أنهم صلوات الله