للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ. فَقَالَت: أولَم تَسمَع أَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ: لَا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ. أولَم تَسمَع أَنَّ اللهَ يَقُولُ: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحيًا أَو مِن وَرَاءِ

ــ

فلا يلتفت إلى ما يقال في الآية غير هذا. وأما استدلال عائشة بقوله تعالى: لَا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ ففيه بُعد؛ إذ قد يقال بموجبه، إذ يفرق بين الإدراك والإبصار، فيكون معنى لا تدركه لا تحيط به، مع أنها تبصره، قاله سعيد بن المسيب. وقد بقيَ الإدراك مع وجود الرؤية في قول الله تعالى: فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ قَالَ كَلَّا؛ أي: لا يدركونكم. وأيضًا فإن الإبصار عموم وهو قابل للتخصيص، فيخصص بالكافرين، كما قال تعالى: كَلَّا إِنَّهُم عَن رَبِّهِم يَومَئِذٍ لَمَحجُوبُونَ ويُكرَّم المؤمنون أو من شاء الله منهم بالرؤية، كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وبالجملة فالآية ليست نصا ولا من الظواهر الجلية، فلا حجة فيها.

واللطيف الكثير اللطف، وهو في حق الله تعالى رفقُه بعباده وإيصاله لهم ما يصلحهم بحيث لا يشعرون، كما قال: إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ وأصله من اللطف في العمل وهو الرفق فيه، وضده العنف، والاسم منه اللطَف بتحريك الطاء، يقال: جاءتنا لطَفَةٌ من فلان؛ أي: هدية. والخبير العليم بخبرة الأمور؛ أي: ببواطنها وما يختبر منها، يقال: صدَّق الخَبر الخُبر بضم الخاء، ومنه قول أبي الدرداء. وجدت الناس اخبرُ تَقلِه (١).

وأما استدلالها بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحيًا}


(١) هذا مثل يُضرب في ذم الناس وسوء معاشرتهم. وأُخرج الكلام فيه على لفظ الأمر، ومعناه: الخبر. يريد: أنك إذا خبرتهم قليتهم، أي: أبغضتهم. انظر: (مجمع الأمثال ٢/ ٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>