يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا.
ــ
فزوجاتهم على قدر درجاتهم، كما يأتي في قوله: في الجنة درة طولها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل للمؤمن ما يرون الآخرين. وبهذا يعلم أن نوع النساء المشتمل على الحور والآدميات في الجنة أكثر من نوع رجال بني آدم، ورجال بني آدم أكثر من نسائهم، وعن هذا قال صلى الله عليه وسلم: أقل ساكني الجنة نساء، وأكثر ساكني جهنم النساء (١) يعني: نساء بني آدم هن أقل في الجنة وأكثر في النار.
و(قوله: يرى مخ ساقها من وراء اللحم) يعني: من شدة صفاء لحم الساقين، فكأنه يرى مخ الساقين من وراء اللحم، كما يرى السلك في جوف الدرة الصافية.
و(قوله: قلوبهم قلب واحد) أي: كقلب واحد، يعني: أنها مطهرة عن مذموم الأخلاق، مكملة بمحاسنها، فلا اختلاف بينهم، ولا تباغض.
و(قوله: يسبحون الله بكرة وعشيا) هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام، لأن الجنة ليست محل تكليف، وإنما هي محل جزاء، وإنما هو عن تيسير وإلهام، كما قال في الرواية الأخرى: يُلهمون التسبيح والتحميد والتكبير، كما تلهمون النفس. ووجه التشبيه: أن تنفس الإنسان لا بد له منه، ولا كلفة ولا مشقة عليه في فعله. وآحاد التنفيسات مكتسبة للإنسان، وجملتها ضرورية في حقه، إذ يتمكن من ضبط قليل الأنفاس، ولا يتمكن من جميعها، فكذلك يكون ذكر الله تعالى على ألسنة أهل الجنة، وسر ذلك: أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته، وأبصارهم قد تمتعت برؤيته، وقد غمرتهم سوابغ نعمته، وامتلأت أفئدتهم بمحبته ومخاللته. فألسنتهم ملازمة ذكره، ورهينة بشكره، فإنَّ من أحب شيئا أكثر من ذكره، وقد تقدم: أن أوقات الجنة من الأيام والساعات تقديريات.