للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُم إِبرَاهِيمُ: إِنَّ رَبِّي قَد غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا، لَم يَغضَب قَبلَهُ

ــ

غيري؛ إشارة إلى أن كمالَ الخلّة، إنما تصح لمن يصحّ له في ذلك اليوم المقام المحمود الذي يحمده الأولون والآخرون، وذلك لم يصح ولا يصح إلَاّ لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. وراءَ وراءَ صحيح الرواية فيه بالمد والفتح، وكأنه مبني على الفتح (١)؛ لتضمنه الحرف، كما قالت العرب: هو جاري بيتَ بيتَ؛ أي: بيته إلى بيتي، فكأنه قال في الحديث: من ورائي إلى ورائي. ونحوه: خمسة عشر، وسائر الأعداد المركبة، ومنه قولهم: هي همزة بين بين، وأتيتك صباح مساء، ويوم يوم، وتركوا البلاد حيثَ بيث، وحاث باث؛ ونحو ذلك.

وقد زعم بعض النحويين المتأخرين أن الصواب الضم فيهما، واستدلّ على ذلك بما أنشده الجوهري في الصحاح:

إذا أنا لم أُومن عليك ولم يكُن ... لِقاؤُكَ إلَاّ من وَراءُ وراءُ

قلت: ولا شك أن السماع في هذا البيت بالضم فيهما، ووجهه ما نبّه عليه الأخفش؛ حيث قال: لقيته من وراء، فترفعه على الغاية، كقولك: من قبلُ ومن بعدُ، فنبّه على أن: وراء الأولى، إنما بنيت لقطعها عن الإضافة، وأما الثانية: فيحمل أن تكون كالأولى على تقدير حذف من لدلالة الأولى عليها، ويحتمل أن تكون الثانية تأكيدًا لفظيًّا للأولى. ويجوز أن تكون بدلاً منها، أو عطف بيان عليها. كما قالوا: يا نصرُ نصرٌ على تكلف. وقد وجدت في أصل شيخنا أبي الصبر أيوب بن محمد الفهري السبتي: مِن وراءَ، مِن وراءَ بتكرار مِن وفتح الهمزتين. وكان رحمه الله تعالى قد اعتنى بهذا الكتاب غاية الاعتناء، وقيده تقييدًا حسنًا.

فلا يصح أن يقال: إن ذلك بناء على الوجه الأول، لوجود من المضمنة في الوجه الأول، وإنما محمله على أن وراء قطعت عن الإضافة، ولم تقصد قصد مضاف بعينه، فصارت كأنها اسم علم، وهي مؤنثة، فيجتمع فيها


(١) ما بين حاصرتين ساقط من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>