للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَيهِ يَومَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيرُ النَّاسِ - أَو: مِن خَيرِ النَّاسِ - فَيَقُولُ لَهُ: أَشهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيتُم إِن قَتَلتُ هَذَا ثُمَّ أَحيَيتُهُ أَتَشُكُّونَ فِي الأَمرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، قَالَ: فَيَقتُلُهُ ثُمَّ يُحيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحيِيهِ: وَاللَّهِ مَا كُنتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الآنَ، قَالَ: فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَن يَقتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيهِ.

ــ

و(قول الدجال: أرأيتم إن قتلت ثم أحييته أتشكون في الأمر) أي: في دعواه الإلهية والربوبية، كما روى قاسم بن أصبغ عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم، أربعون ليلة يسيحها في الأرض، يوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا، فيقول للناس: أنا ربكم، وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، يرد كل ماء ومنهل إلا مكة والمدينة، وقامت الملائكة بأبوابها (١). فهذا نص في أن الدجال إنما يدعي الربوبية لا النبوة، ولو ادعاها لما صدقه الله بإبداء خارق للعادة على يديه، لاستحالة تصديق الكاذب على الله؛ لأنَّه يلزم منه تكذيب الباري تعالى، والكذب محال على الله تعالى قطعا، عقلا ونقلا، فإن قيل: فيلزم مثل هذا في دعوى الربوبية ووقوع الخارق مقرونا بدعوى المدعي للإلهية، فيكون قد صدقه بذلك كما صدق النبي إذا جاء بمثل ذلك. فالجواب: أن اقتران الخارق بدعوة الربوبية محال أن يشهد بتصديقه في دعوى الإلهية لقيام الأدلة العقلية القطعية على استحالة الإلهية عليه، التي هي: حدثه، وافتقاره، ونقصه، فهذه الأدلة العقلية دلت على كذبه في دعوى الإلهية، فلم يبق معها دلالة للأدلة الاقترانية؛ لأنَّ اقتران المعجزة بالتحدي في حق النبي إنما دل على صدقه من حيث تنزلت منزلة التصديق بالقول،


(١) رواه أحمد (٣/ ٣٦٧)، والحاكم (٤/ ٥٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>