ومنهم من قال: الشك من إبراهيم، لكن فيماذا اختلفوا فيه، فمنهم من قال: في الإحياء. حكي عن ابن عباس أنه قال: دخل قلبه بعض ما يدخل على القلوب، وهذا لا يصح نقله ولا معناه؛ لأنَّ الله تعالى قد أخبر عنه في أول القصة بأنه قال للمحتج عليهم:{رَبِّيَ الَّذِي يُحيِي وَيُمِيتُ} وكيف يجوز على الأنبياء مثل هذا الشك، وهو كفر؟ فإنَّ الأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث. ومنهم من قال: وقع له الشك في كونه خليلا، أو في كونه مجاب الدعوة، فسأل الله تعالى ودعاه بأن يريه إحياء الموتى حتى يطمئن قلبه بذلك. ومنهم من قال: وقع له شك في كيفية الإحياء، لا في أصل الإحياء. قال الحسن: رأى جيفة نصفها في البر توزّعها السباع، ونصفها في البحر توزّعها دواب الماء، فلما رأى تفرقها أحب أن يرى انضمامها، فسأل ليطمئن قلبه برؤية كيفية الجمع، كما رأى كيفية التفريق. ويتنزل قول نبينا صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك من إبراهيم على هذه الأقوال واحدا واحدا، بحسب ما يليق به.
وأما النافون للشك فاختلفوا، فمنهم من قال: أُري من نفسه الشك، وما شك، ولكن ليجاب فيزداد قربه. قال القاضي: وهذا تكلف في اللفظ والمعنى.
ومنهم من قال: لم يشك إبراهيم، وقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بالشك من إبراهيم نفي للشك عنه، لا إثبات له، فكأنه قال: نحن موقنون بالبعث وإحياء الموتى، فلو شك إبراهيم لكنا نحن أولى بذلك منه، على طريق الأدب، وإكبار حال إبراهيم - عليه السلام - لا على جهة أنه وقع شك لواحد منهما.
ومنهم من قال: إنما جاوب نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: نحن أحق بالشك مَن سمعه يقول: شك إبراهيم، ولم يشك نبينا، فقال ذلك.
قلت: هذه جملة ما سمعناه من شيوخنا، ووقفنا عليه في كتب أئمتنا، وكلها محتمل يرتفع به الإشكال، إلا ما حكي عن ابن عباس؛ فإنَّه قول فاسد، وليس في الآية ما يدلّ على أن إبراهيم شك، بل الذي تضمنته أن إبراهيم - عليه السلام - سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها، واتصال