و(قوله:{لِيَطمَئِنَّ قَلبِي} أي: بحصول الفرق بين المعلوم برهانا، والمعلوم عيانا. فإذا لم يكن في الآية ما يدلّ على شك وقع لإبراهيم، ولا لنبينا صلى الله عليه وسلم، وإنَّما صدر ذلك من نبينا صلى الله عليه وسلم، على الفرض الذهني، والتقدير الشرطي، فكأنه قال: لو شك إبراهيم في إحياء الموتى لكنا نحن أحق بالشك منه، ولم نشك نحن، فهو أولى وأحق بألا يشك، وهذا هو البرهان المسمى عند أئمتنا النظار: البرهان الشرطي المتصل، وأهل المنطق يسمونه بالقياس الاستثنائي الذي ينتج منه استثناء عين التالي، ونقيض المقدم، على ما هو معروف في موضعه.
و(قوله: ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي) يعني به: الداعي الذي دعاه إلى الخروج من السجن المذكور في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارجِع إِلَى رَبِّكَ فَاسأَلهُ} الآية، يصف يوسف - عليه السلام - بالتثبت والصبر على المحنة، وأنه أقام في السجن والتضييق عليه مدة طويلة، والنفوس متشوقة إلى الخروج من الضيق، والحبس الطويل، لا سيما إذا بُشر بالتخلص، ودعي إليه. فمقتضى الطبع: المبادرة إلى أول دعوة، والانفلات بمرة، لكنه لما جاءه الداعي لم يبادر لإجابته، ولا استخفه الفرح بالتخلص من محنته، لكنه سكن وثبت إلى أن ظهرت براءته وعُلمت منزلته (١). ثم إن نبينا صلى الله عليه وسلم تأدب معه غاية الأدب، واعترف له بأنه من التثبت والصبر في أعلى الرتب، وحمده على ذلك، وقدر أنه لو امتُحن بذلك لبادر إلى التخلص من ذلك