للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولكن ليطمئن قلبي. ويرحم الله لوطا؛ لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي.

رواه أحمد (٢/ ٣٢٦)، والبخاريُّ (٣٣٧٢)، ومسلم (١٥١) (٢٣٨)، وابن ماجه (٤٠٢٦).

ــ

لأول داع. هذا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أُعطي من التثبت في الأمور، والصبر على المكاره الحظ الأوفر، والنصيب الأكبر، لكنه تواضع لله، وتأدب مع أخيه نبي الله.

و(قوله: ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، وفي الرواية الأخرى: يغفر الله للوط (١)) هذا تنبيه على قول لوط لضيفه: {لَو أَنَّ لِي بِكُم قُوَّةً أَو آوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ} وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أن لوطا لم يرضَ منه بذلك القول في ذلك الموطن؛ فإنَّه قد كان انتهى من كمال المعرفة بالله تعالى إلى حال لا يليق به فيها أن يلتفت إلى غير الله تعالى في كفاية المحن، ودفع الشدائد، فلما ضعُف عما كان ينبغي له عوتب على ذلك، ونُسب إلى التقصير. والذي أصدر ذلك القول من لوط ضيق صدره بما لقي من قومه من التكذيب والأذى. وحياؤه من أضيافه عند هم قومه بالفاحشة، وأنه لم تكن له عشيرة، ولا أصحاب آمنوا به حتى ينتصر بهم على قومه؛ فإنَّه لم يؤمن به أحد ممن أرسل إليه غير ابنتيه، ولما أُهلك قومه لم ينج منهم إلا هو وابنتاه، ومع هذه الأعذار كلها لم يُرض منه بأن يصدر منه ذلك في حال تمكنه وتمكينه. وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد من لوط أن يكون على مثل حال إبراهيم - عليه السلام - في شدائده، فإنَّه قال حين رُمي بالمنجنيق، وهو في الهواء، وقال له جبريل - عليه السلام -: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا. ونحو ذلك صدر عن نبينا صلى الله عليه وسلم حين كان في الغار، والكفار عند فم الغار، فقال لأبي بكر - رضي الله عنه - وقد رأى جزعه: لا تحزن إن الله معنا (٢).


(١) هذه الرواية عند البخاري (٣٣٧٥).
(٢) رواه البخاري (٣٦٥٢)، ومسلم (٢٠٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>