والعطف بالواو الجامعة، وإنما المراد أن الله تعالى خلق الملائكة أصنافا؛ فمنهم صنف جعل لكل واحد منهم جناحين، ومنهم صنف جعل لكل واحد منهم ثلاثة، ومنهم صنف جعل لكل واحد منهم أربعة، وكذلك آية النكاح معناها أن الله تعالى أباح لكل واحد منهم من الزوجات ما يقدر على العدول فيه، فمن يقدر على العدل في اثنتين أبيح له ذلك، ومن يقدر على العدل في أكثر أبيح له ذلك، فإن خاف ألا يعدل فواحدة كما قال تعالى، وغاية الإباحة أربع؛ لأنَّه انتهى إليهن في العدد، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان بن أمية: أمسك أربعا، وفارق سائرهن (١)، ولأنه لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته بين أكثر من أربع، وما أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فذلك من خصوصياته بدليل أن أصحابه قد علموا ذلك وتحققوه، فلو علموا أن ذلك مسوَّغ لهم لاقتدوا به في ذلك فكانوا يجمعون بين تسع، فإنَّهم كانوا لا يعدلون عن الاقتداء به في جميع أفعاله وأحواله ويبادرون إلى ذلك مبادرة من علم أن التوفيق والفلاح والحصول على خير الدنيا والآخرة في الاقتداء به، فلولا أنهم علموا خصوصيته بذلك لما امتنعوا منه، وما يروي الرافضة في ذلك عن علي أو غيره من السلف فغير معروف عند أهل السنة ولا مأخوذ عن أحد من علماء الأمة، وكيف لا وقوله لغيلان قد بين القدر المباح غاية البيان، وهو من الأحاديث المعروفة المشهورة عند كل أحد بحيث لا يحتاج فيه إلى إقامة سند. وقد ذهب بعض أهل الظاهر إلى إباحة الجمع بين ثماني عشرة تمسُّكًا بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار لما لم يمكنه لذلك إنكار، لكنه لما حمل الواو على الجمع جمع بين هذه الأعداد وقصر كل صيغة
(١) رواه ابن حبان (٤١٥٧ و ٤١٥٨)، والبيهقي (٧/ ١٨١).