للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التوكّل، ولا قائل به، وكيف يكون ذلك؟ وقد رقى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - واسترقى. ورقاه جبريل وغيره ورقته عائشة، وفعل ذلك الخلفاء والسلف، فإن كانت الرقى قادحة في التوكّل ومانعة من اللحوق بالسبعين ألفًا، فالتوكّل لم يتمّ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولا لأحد من الخلفاء، ولا يكون أحد منهم في السبعين ألفًا مع أنّهم أفضل مَن وافى القيامة بعد الأنبياء، ولا يتخيل هذا عاقل (١).

قال الشيخ - رحمه الله -: والذي يظهر لي أنّ القول ما قاله الخطّابيّ وحكاه عن جماعة من السلف، وذلك ظاهر في الطيرة والكيّ، فإذا دفع الطيرة عن نفسه ولم يلتفت إليها بالتوكّل على الله تعالى، كان في المقام الأرفع من التوكّل؛ لأنّ الطيرة قد تلازم قلب الإنسان ولا يجد الانفصال (١) عنها، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الطيرة فقال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم (٢) فإذا استعمل المؤمن الإعراض عنها والتفويض إلى الله في أموره، ذهب ما كان يجده منها، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود: الطيرة شرك، الطيرة شرك - ثلاثًا - وما منّا إلا، ولكنّ الله يذهبه بالتوكّل (٣).

و(قوله: إلاّ) يعني استثناء ما يجده الإنسان منها في نفسه الذي قال فيه: ذاك شيء يجدونه في صدورهم.

وأمّا الكيّ، فالمأمون منه جائز، وقد كوى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أُبيًّا يوم الأحزاب على


(١) في (ل) و (م): الانفكاك.
(٢) رواه أحمد (٥/ ٤٤٨)، ومسلم (٥٣٧)، وأبو داود (٩٣٠ و ٩٣١)، والنسائي (٣/ ١٤ - ١٧) من حديث معاوية بن الحكم السلمي رض الله عنه.
(٣) رواه أبو داود (٣٩١٠)، والترمذي (١٦١٤)
ومعنى (إلا): أي: وما منا أحد إلا ويعتريه التطير، ويسبق إلى قلبه الكراهة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>