للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسبب الخلاف اختلاف الأحاديث في ذلك كما سيأتي، وقد تأول القائلون بأن القصر ليس بفرض حديث عائشة وحديث ابن عباس أن الفرض (١) فيهما بمعنى التقدير، وهو أصله في اللغة، فيكون معناه أن الله تعالى قدَّر صلاة المسافر بركعتين عددًا كما قدَّر صلاة الحضر أربع ركعات على ما في حديث ابن عباس، وعلى أي وجه يكون هذا التقدير على حكم الوجوب أو السنة؟ ذلك يؤخذ من دليلٍ آخر، وقد دلت أدلة كثيرة على أنه ليس بواجب؛ منها حديث عمر حيث قال صلى الله عليه وسلم: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته. وقد روى النسائي من حديث عائشة - وهو صحيح - أن عائشة اعتمرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة، قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، قصَرتَ وأتممتُ، وأفطرتَ وصمتُ! فقال: أحسنت يا عائشة! وما عابه عليَّ (٢). وهكذا قيدته بفتح التاء الأولى وضم الثانية في الكلمتين، وكذلك دلّ قوله تعالى: {فَلَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ أَن تَقصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} فإذا تقرر أنه ليس بواجب، فهل هو سنة أم لا؟ قلنا: هو سنة، دلّ عليه مداومته - صلى الله عليه وسلم - على القصر واستمرار عمل الخلفاء على ذلك وأكثر الصحابة.

ثم اختلفوا في السفر الذي تقصر فيه الصلاة؛ فذهب عامة العلماء إلى جوازه في كل سفر مباح ومنعِه في سفر المعصية - وهو قول مالك والشافعي والطبري وأصحابهم. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى جوازه في كل سفر طاعةً كان أو معصيةً، وهو رواية شاذة عن مالك. وذهب داود إلى أنه لا يجوز إلا في سفر الحج والعمرة والغزو لا في غيرها، وروي ذلك عن ابن مسعود. واختُلف عن أحمد بن حنبل؛ فمرة قال بقول مالك، ومرة قال: لا يقصر إلا في


(١) فىِ (ع) و (م) و (ط): القصر، والتصحيح من (ظ) وإكمال إكمال المعلم (٢/ ٣٤٥).
(٢) رواه النسائي (٣/ ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>