أبي يوسف، وهو الإمام الذي أخذ علم أبي حنيفة. ولا يظنّ أن فقيها مجتهدا من أهل القرون الأولى، يحتاج إلى سؤال غيره في مسألة نحوية، فما تصدّر أبو يوسف هذه المنزلة إلا وهو متضلع من فنون العربية،. ولذلك نقل آخرون أن المرسل بالفتوى الكسائي إلى محمد بن الحسن، ولا دخل لأبي يوسف فيها.
وسواء أصحت القصة أم كانت ملفقة، فإننا نتطلع إلى المعاني التي تنشأ عن وجوه الإعراب ولا يهمنا من الذي قال وأفتى. فكلّ من ذكر في القصة، من أهل العلم، ولا نفضّل واحدا على آخر. ونبدأ في بيان الجواب:
الوجه الأول: أنت طلاق والطلاق عزيمة ثلاثا: برفع عزيمة ونصب «ثلاثا» وهنا يقع الطلاق ثلاثا. ويكون قوله «والطلاق عزيمة: مبتدأ وخبر، فكأنه قال: والطلاق مني جدّ غير لغو.
وقوله «ثلاثا: معناه: أنت طالق ثلاثا وما بين - طالق - وثلاثا: جملة معترضة.
الوجه الثاني: أنت طلاق والطلاق عزيمة ثلاث: بنصب عزيمة، ورفع ثلاث. وهنا تطلق طلقة واحدة. والطلاق: مبتدأ. ثلاث: خبر - عزيمة: بالنصب على إضمار فعل تقديره: أعزم عليك عزيمة. أو التقدير: والطلاق إذا كان عزيمة ثلاث -. فقوله: أنت طالق. مبتدأ وخبر، يكون قد أخبرها بطلاقها. ثم أخبر أن الطلاق مداه ثلاث طلقات.
وقال ابن هشام في المغني: الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث ولوقوع الواحدة.
أما الرفع: فلأن أل: في الطلاق إما لمجاز الجنس كما نقول: «زيد الرجل» أي هو الرجل المعتدّ به. وإما للعهد الذكري كقوله تعالى: فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: ١٦]. أي: وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث. فعلى العهدية: تقع الثلاث.
وعلى الجنسية: تقع واحدة.
قال: وأما النصب: فلأنه محتمل لأن يكون على المفعول المطلق، وحينئذ يقتضي وقوع الطلاق الثلاث. إذ المعنى: أنت طالق ثلاثا - ثم اعترض بينهما بقوله: والطلاق عزيمة. ومحتمل لأن يكون «ثلاثا» حالا من الضمير المستتر في عزيمة وحينئذ لا يلزم وقوع الثلاث لأنّ المعنى. والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا، فإنما يقع مانواه ...