حيّتك عزّة بعد الهجر وانصرفت ... فحيّ ويحك من حيّاك يا جمل
لو كنت حيّيتها ما زلت ذا مقة ... عندي وما مسّك الإدلاج والعمل
ليت ... الخ، وفي الشعر والشعراء «يا جملا».
قال أبو أحمد: وقصة كثير مع عزّة، جميلة وممتعة من الناحية الفنيّة فقط. وقلت:
من الناحية الفنيّة؛ لأن كثيرا من أخبارهما موضوع وضعا فنيّا، ولا حقيقة له. فإذا مررت أيها القارئ بقصة كثير، وأحببت أن تقضي معها ساعات، فانس أن ذلك تاريخ واقع، وانس أن كثيّرا كان في القرن الأول. وإنما هو كثير كان يعيش في الدنيا. وإذا أسقطها تاريخيا، لا يعني ذلك أنها تسقط أدبيا، بل هي من روائع الأدب، ولا يشترط في الأدب أن يكون واقعا، بل يشترط فيه إمكان وقوعه، ويمثل نماذج إنسانية في مكان ما من العالم، والله أعلم.
٣٨٠ - ربّاء شمّاء لا يأوي لقلّتها ... إلا السحاب وإلّا الأوب والسّبل
البيت آخر قصيدة للمتنخّل الهذلي، رثى بها ابنه.
وقوله: «ربّاء»، صيغة مبالغة على وزن فعّال من ربأ يربأ، إذا صار ربيئة لهم، وربأت القوم، أي: رقبتهم؛ وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف. وقيل: من ربأت الجبل، إذا صعدته. وشماء: مؤنث أشم. يريد: هضبة شماء، من الشمم، وهو الارتفاع. وقد أضاف «ربّاء»، إلى «شماء»، كقولنا: «كطلاع أنجد، أو طلاع الثنايا». وضرب ذلك مثلا لمن هو ركّاب للصعاب في الأمور. ويريد ابنه. والقلّة: رأس الجبل، يريد: أنّ هذه الهضبة لا يصل إليها إلا السحاب؛ لارتفاعه.
والأوب: قيل: إنّه النحل حين تؤوب، أي: ترجع، ويروى: «النّوب»، وهو النحل أيضا. وقيل: هو المطر؛ لأنه بخار الماء ارتفع من الأرض، ثم آب إليها؛ وذلك أن العرب كانت ترى أن السحاب يحمل الماء من البحر، ثم يرجعه إليه.
والسّبل: المطر المنسبل، أي: النازل.
والبيت شاهد على أن الموصوف قد يحذف مع قرينة دالة عليه، كما في البيت.
والتقدير: رجل ربّاء هضبة شماء، فحذف الموصوف، وأقيم الوصف مقامه في الموضعين. [شرح المفصل ج ٣ /
٥٨، واللسان «أوب» والخزانة ج ٥/ ٣].