النحاس (شرح أبيات سيبويه) فروى الشطر الثاني (أظبي كان أمّك أم حمار) مع أن بيت أبي الاسلت من قصيدة نونية، وهذا الشطر من قصيدة رائية، لثروان بن فزارة، وقد مضى في حرف الراء هذا: وقد قالوا إن بيت ثروان بن فزارة محرّف أيضا، وإن الأصل فيه.
فإنّك لا يضرّك بعد عام ... أظبي ناك أمّك أم حمار
وربما قلبوا اللفظة من (ناك) إلى (كان) تحرّجا. مع أن قوله (أظبي كان أمك ..) فيه إشكال. ذلك أن الظبي والحمار ذكران، وهو يقول «أمك» وكان حقه أن يقول أبوك ...
فاعتذروا عن ذلك، بأن «الأم» معناها الأصل. ودار بينهم الجدل حول بيت محرف، ولم يكلفوا أنفسهم مراجعة الأصول للتثبت من الرواية. وصدق القائل:
إذا اجتمعوا على ألف وواو ... وياء هاج بينهم جدال
[الخزانة ج ٩/ ٢٩٥، وسيبويه ج ١/ ٢٣، واللسان (طبب).
١٧٨ - فأصبحت كنتيّا وهيّجت عاجنا ... وشرّ خصال المرء كنت وعاجن
وما كنت كنتيا وما كنت عاجنا ... وشرّ الرجال الكنتنيّ وعاجن
قد كنت كنتيّا فأصبحت عاجنا ... وشرّ رجال الناس كنت وعاجن
فأصبحت كنتيّا وأصبحت عاجنا ... وشرّ خصال المرء كنت وعاجن
وما أنتّ ك نتيّ وما أنا عاجن ... وشرّ الرجال الكنتنيّ وعاجن
هذه خمس روايات لبيت واحد .. فالقافية واحدة (وعاجن) والبحر واحد (الطويل) وبداية الشطر الثاني واحدة (وشرّ) وبداية الشطر الأول تبدأ بفعل ناقص، ما عدا الأخير.
واتفقوا على معنى كلمة (عاجن) وهو الذي أسنّ، فإذا قام، عجن بيديه. يقال: خبز وعجن، وثنّى وثلث، وورّص، كله من نعت الكبير، وأعجن، وعجن، إذا أسنّ فلم يقم إلا عاجنا. وفي حديث ابن عمر. أنه كان يعجن في الصلاة، فقيل له: ما هذا فقال:
رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يعجن في الصلاة، أي: يعتمد على يديه إذا قام كما يفعل الذي يعجن العجين.
أما الكنتيّ: فهو منسوب إلى «كنت»، الفعل الناسخ مع التاء. فقال بعضهم: معناه الشديد القوي. لقوله: قد كنت كنتّيا فأصبحت عاجنا، وقيل: هو الشيخ الضعيف.
والحق أنه قويّ شديد باعتبار ما كان، لأن الكنتي: الذي يقول: كنت في شبابي كذا ..