الذكر، لغيّره وقع الحوادث إذا جعلت «غير» الآخرة، صفة للأولى، والمعنى: أراد أن يخبر أن الصارم الذكر لا يغيّره شيء. [سيبويه/ ٣٧٠، والأشموني/ ٢/ ١٥٦، وشرح أبيات المغني/ ٢/ ١٠٢].
٢٢١ - وما أعيد لهم حتى أتيتهم ... أزمان مروان إذ في وحشها غرر
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
البيتان للشاعر الفرزدق من قصيدة مدح بها عمر بن عبد العزيز لما كان واليا على المدينة، في خلافة الوليد بن عبد الملك. يقول: إنّ المدينة عاشت حياة ضيق بعد أيام مروان بن الحكم، حتى أتيت أنت، أزمان: نائب فاعل ل: أعيد، والضمير في «وحشها» يعود إلى المدينة. والغرر: بكسر الغين، جمع غرّة بكسرها أيضا، وهي الغفلة. يريد أن وحشها لا يذعرها أحد، فهي في غرّة من عيشها، يقال: هو في غرّة من العيش، إذا كان في عيش لا كدر فيه ولا خوف، قوله: فأصبحوا .. يقول: ما أعيد لأهل المدينة ولمن بها من قريش أزمان مثل أزمان مروان في الخصب والسّعة، حتى وليت أنت عليهم فعاد عليهم مثل ما كانوا فيه من الخير حين كان مروان واليا عليهم .. والبيتان شاهد تاريخي على حال أهل المدينة، وجواب عن دعوى المؤرخين في العصر الحديث الذين أشاعوا أنّ الأمويين أغرقوا المدينة بالأموال لإبعادهم عن السياسة، ولإغراقهم في الترف، فكان من ذلك - زعموا - سيادة مجتمع الغناء والخمر في العصر الأموي .. وحال النعمة التي يتحدث عنها الشاعر في زمان مروان، لم تكن بسبب الأموال المتدفقة على أهل المدينة ولكنها كانت بسبب ما ورثه الناس من أموال أيام كان العدل هو السائد في الحياة، فكان كلّ مسلم يأخذ حقّه من العطاء في عهد الخلفاء الراشدين حيث كان في المدينة جملة الصحابة الذين كانوا قد وسّع الله عليهم بالتجارة والعمل، وورث أبناؤهم أموالا كثيرة ..
ثم كشّر الزمان عن نابه لهم وأخذ العيش يضيق حتى وصل إلى درك العسر، بعد ظهور طبقة المعارضة في المدينة، وبخاصة بعد ولاية العهد ليزيد بن معاوية، في أواخر خلافة معاوية، وفي أيام خلافة مروان، وابنه عبد الملك، حيث كان السلطان من ٦٣ - ٧٣ هـ.
لابن الزبير، وكانت أيامه أيام فتنة وحرب، ولم يكن يحصل أهل المدينة من عيشهم إلا على الكفاف - انظر قصة
الإمام الزهري - وعند ما عاد سلطان بني أمية إلى الحجاز، بقي الحقد السياسي يوزع على الناس الحرمان. مرة يتهمون أنهم قتلة عثمان، ومرة يوصفون أنهم أتباع ابن الزبير، وحرم الناس حقهم في بيت المال. وفي زمان ولاية عمر على