النبل، استيقادا منهم. يقول: تنفذ سهامنا في الرّميّة حتى تصل إلى حضيض الجبل، فتخرج منه النار، لشدّة رمينا وقوة سواعدنا، ونصيد بها نفوسا مبنية على كرم، أي: نقتل الرؤساء، ومن تكرم نفسه وتعزّ حياته. فالحضيض: قرار الأرض عند سفح الجبل.
وقوله بنت: أصله بنيت، فأخرجه على لغة طيّئ، لأنهم يقولون في (بقي)«بقى» وفي «رضي» و «رضى» كأنهم يفرّون من الكسرة بعدها ياء إلى الفتحة، فتنقلب الياء ألفا. قال أبو أحمد:
قوله: كأنهم يفرّون .. الخ يعللون بهذا اللفظ (الفرار) كثيرا مما يفعله العرب من الإعلال والإبدال. وربّما كانت الكلمة غير دقيقة في وصف ما يحصل. وأنا أقول: إن لهجة القول، ينطق بها الناطق وهو لا يدري، ولعلّ ذلك من تأثير البيئة الجغرافية، وتأثير المكان والهواء، والماء، فتجد كل بقعة أو إقليم صغير، له طريقة في نطق بعض الحروف، تعرف إقليمه منها، وتبقى موروثة متناقلة حتى لو انتقل هؤلاء جماعيا إلى إقليم آخر، وسكنوا ... مجتمعين. وما يتركه قوم من طرق النطق، يتكلم به آخرون، فبعض الأقاليم يقولون (كيف حالك) بالألف في (حالك) وبعضهم ينطقها «حولك» وبعضهم يقول: خبز: بضم الباء، وبعضهم يقول: خبز، بكسر الباء و (بندورة) بسكون النون، وبندورة، بفتح النون. قالوا: وبلفظة بندورة، كان اليهود يميزون بين اللبناني والفلسطيني، عند ما اجتاحوا لبنان، في إحدى سنوات المحن التي توالت على الناس.
[الحماسة، بشرح المرزوقي ص ١٦٥ واللسان (بني)].
٤٨٥ - كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا ... يغرس الودّ في فؤاد الكريم
لا يعرف قائله. وأنشده الأشموني والسيوطي شاهدا لحذف حرف العطف وبقاء المعطوف، أي: وكيف أمسيت. قال: ومنع ذلك ابن جني والسهيلي وابن الضائع لأن الحروف دالة على معاني في نفس المتكلم وإضمارها لا يفيد معناها، وقياسا على حروف النفي والتأكيد والتمني، فإنه لا يجوز حذفها. قلت: قد لا يكون المقصود مما ذكر في البيت العطف، وإنما يراد به معنى واحد وهو «التحية» كأنه قال: التحيّة تغرس -.
والجملة الثانية مبدلة من الأولى، وليس شرطا أن يقول العبارتين ليغرس الودّ. وكذلك الحديث الذي رواه السيوطي في الباب «تصدق رجل من ديناره، من درهمه من صاع برّه، من صاع تمره» فالمراد تصدق رجل بصدقة، من واحد مما ذكر.