للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجهين، وليس هناك مانع معنوي، ونحن نفهم التفضيل لو قال (خيرا) أو «الخير» فهذه القصيدة التي منها البيت، معلقة، وهم يزعمون أن المعلقات خير ما قيل من الشعر الجاهلي. ولكن لي تعليقة نقدية على هذا البيت غير ما ذكروا، وهي: أن البيت نظم بارد لا حياة فيه تهزّ المشاعر، وتزيد برودة البيت عند ما تقرأ معه البيت التالي الذي يعدد فيه بقية آبائه، وهو:

وعتّابا وكلثوما جميعا ... بهم نلنا تراث الأكرمينا

فهو لم يزد على أن عدّ أسماء آبائه وأجداده، دون أن ينسب لهم عملا يحرك في نفس القارئ نوعا من التقدير لهم.

ثم إنه قال. مهلهلا، والخير منه: وما كان له أن يفاضل بين أجداده، ويجعل جدّه من ناحية أبيه خيرا من جده من ناحية أمه. وكان عليه أن يجعلهما فاضلين مع وجود التفاوت في المرتبة في النفس. وإذا كان زهير خيرا من مهلهل، فلماذا قدم مهلهلا في الذكر.

فكان بإمكانه أن يقدم المفضّل، زهيرا، ويتبعه بالمهلهل، ويستغنى عن لفظ التفضيل، وإذا كان هناك تفضيل عرفه السامع من السياق، لكونه قدّم زهيرا على المهلهل ... ولو أنه جاء باسم التفضيل دون أن يتبعه ب (من) التفضيلية، لقلنا إن اسم التفضيل، لا يراد به الزيادة في الدرجة. وأنه يريد به «الفاضل» حيث تخرج أحيانا صيغة

التفضيل عن معنى المفاضلة إلى معنى اسم الفاعل، كما قال الفرزدق:

إنّ الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتنا دعائمه أعزّ وأطول

[٢٠٧ - ومعزى هدبا يعلو ... قران الأرض سودانا]

البيت رواه الثقات ولم ينسبوه. وقران: بكسر القاف، زنة كتاب، جمع قرن، وهو أعلى الجبل. وسودان: جمع أسود، وهو صفة معزى. ومعزى: اسم للجمع، مفرده ما عزة، ومعزاة، وهي من الماعز، ذي الشعر من الغنم، خلاف الضأن.

وقوله: هدبا: بالباء، الموحدة التحتيّة، الكثير الهدب، ويعني به الشعر. والشاهد في البيت (معزى) والمفهوم من كلام سيبويه وابن يعيش: أنّ معزى، ألفها للإلحاق وليست للتأنيث ولذلك فهي مصروفة، فهي تنوّن، ولو كانت ألفها للتأنيث لمنعت من التنوين.

ووصفت بالمذكر، فقال «سودانا» جمع أسود. ومعنى الإلحاق: تكثير الكلمة وتطويلها،

<<  <  ج: ص:  >  >>