والشاهد فيه: قوله: «لم يعن بالعلياء إلا سيدا»، حيث أناب الجار والمجرور - بالعلياء - عن الفاعل، مع وجود المفعول به في الكلام وهو قوله «سيدا». والداعي لذلك أنّ القوافي كلها منصوبة، ومثله قول الراجز:
٦٨ - إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب ... جهارا فكن في الغيب أحفظ للعهد
وألغ أحاديث الوشاة فقلّما ... يحاول واش غير هجران ذي ودّ
ليس للبيتين قائل معروف. والمعنى إذا كانت بينك وبين أحد صداقة وكان كل واحد منكما يعمل في العلن على إرضاء صاحبه، فتمسك بأواصر هذه المحبة في حال غيبة صديقك عنك، ولا تقبل في شأنه أقوال الوشاة فإنهم إنما يريدون إفساد هذه الصداقة وتعكير صفوها.
وقوله: صاحب: فاعل للفعل يرضيك، جهارا: منصوب على الظرفية. والشاهد:
«ترضيه ويرضيك صاحب»، حيث تنازع الفعلان على «صاحب»، فالأول بطلبه مفعولا به، قبل دخول الضمير عليه، والثاني يطلبه فاعلا. وقد أعمل الشاعر فيه الثاني، وأعمل الأول في ضميره الذي هو الهاء. والجمهور يرى أنه كان يجب على الشاعر ألا يعمل الأول في الضمير، لأنه فضلة يستغنى عنه في الكلام وذكر الضمير مع العامل
الأول يترتب عليه الإضمار قبل الذكر، وهذا لا يجوز. [الأشموني/ ٢/ ١٠٥، والشذور/ ٤٢٣، وابن عقيل/ ٢/ ٧].
[٦٩ - لما حططت الرحل عنها واردا ... علفتها تبنا وماء باردا]
البيت غير منسوب، والشاهد فيه:«علفتها تبنا وماء»، فقوله: وماء لا يمكن عطفه على ما قبله لكون العامل (علف) في المعطوف عليه (تبنا) لا يتسلط على المعطوف «ماء» إذ لا يقال «علفتها ماء»، ومن أجل ذلك كان نصب «وماء» على ثلاثة أوجه: النصب على المعية، أو تقدير فعل يعطف على علفتها، والتقدير «وسقيتها» أو على تضمين علفتها معنى أنلتها، أو قدمت لها، وهو كما في الآية: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ