هذه» إشارة إلى الحالة الحاضرة، والجوانح: جمع جانحة، وهي الضلوع القصار، والمعنى: المطموح فيه من أولياء الدم أن يطلبوا الثأر في المستقبل وإن كانوا أخروه إلى هذه الغاية، فتسكن نفوس وتبرد قلوب. [الخزانة/ ٩/ ٣٤١، شرح المفصل/ ٧/ ١١٨].
[٤٧ - ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح]
البيت لجرير بن عطية، من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان، مطلعها:
أتصحو أم فؤادك غير صاح ... عشيّة همّ صحبك بالرواح
والشاهد في البيت قوله «ألستم» على أن الهمزة فيه للإنكار الإبطالي فإن كان ما بعدها نفيا كما هنا، لزم ثبوته، لأن نفي النفي إثبات، وبهذا صار البيت مدحا، ومعناه التقرير:
أي: أنتم خير من ركب المطايا، وقد قالوا: إنّ هذا البيت أمدح بيت قاله جرير، أو قالته الشعراء، وليس كما قالوا: لأن الشاعر كاذب في هذا البيت، فأندى العالمين بطون راح، هو محمد صلّى الله عليه وسلّم. ولا يصحّ تفضيل عبد الملك على عالمي أهل زمانه، فقد كان في عصره الصحابة، وهم أندى منه وأكرم وأشجع، لأنهم جاهدوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانوا أجوادا مع قلة ما بأيديهم، بل كان ما بأيديهم من كدّ يمينهم وعملهم، أما عبد الملك فقد كان يجود على الشعراء من بيت مال المسلمين، وليس للشعراء حقّ فيه. فقد كانوا يعطون الأموال للشعراء لإذاعة المحامد الكاذبة، كما تعطي الدول اليوم الأموال للصحف ووكالات الأنباء لتضليل الناس بإذاعة منجزات من نسج الخيال. أقول: ولا يدخل هذا البيت في قولهم «أعذب الشعر أكذبه» لأن المراد بالكذب، هو الكذب الفنّي، والخيال التصويري، والاستعارات البديعة، كقول الشاعر:
فأمطرت لؤلؤا من نرجس ... وسقت وردا وعضت على العنّاب بالبرد
[٤٨ - أبحت حمى تهامة بعد نجد ... وما شيء حميت بمستباح]
البيت لجرير في مدح عبد الملك بن مروان، ويقول له: ملكت العرب وأبحت حماها بعد مخالفتها لك، وما حميت لا يصل إليه من خالفك لقوة سلطانك، وتهامة: ما سفل من بلاد العرب، ونجد: ما ارتفع، وكنى بهما عن جميع بلاد العرب. و (ما) حرف نفي.