.. هذه الأبيات لأمين الدين المحلي من المتأخرين، وليس في لفظها شاهد نحوي أو لغويّ، ولكنه يلمح إلى بعض القواعد النحوية، التي شبهها بما يجري في الحياة.
وأرباب الصدور: أصحاب المراكز العالية في المجتمع الذين يقصدون المجامع. وقد ذكرها النحويون في باب «الإضافة» وأن الاسم المضاف إلى ماله الصدارة ينال التصدير في الكلام، فيجب تقديم المبتدأ في قولك «غلام من عندك» لأنه مضاف إلى اسم الاستفهام المستحقّ الصدارة، والخبر في قولك «صبيحة أيّ يوم سفرك» والمفعول به في قولك «غلام أيّهم أكرمت»، و «من» ومجرورها في قولك «من غلام أيّهم أنت أفضل»، ووجب الرفع في نحو: علمت أبو من زيد؟ وأشار بقوله:«مزمّل» إلى قول امرئ القيس:
كأنّ أبانا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمّل
يصف جبلا علاه الغيم والمطر، ذلك أن «مزملا» صفة ل: كبير فكان حقّه الرفع، ولكنه خفض لمجاورته للمخفوض. [ورحم الله الأجداد، فقد لاحظوا أن اللغة كائن حيّ، يجري عليها ما يجري على الأحياء من البشر، وأن كلام الناس من حيث التقديم والتأخير والرفع والنصب، بمثل المعانى والقيم التي تحكم حياة الناس، فرفعوا الفاعل وقدموه، لأن اليد العليا العاملة الفاعلة مرفوعة القدر، ونصبوا المفعول وأخروه، لأنه لا يعول عليه في بناء الحياة، ولهذا سموه فضلة، وعرّفوا المبتدأ وقدموه ورفعوه لأن الذي يتصدر القوم أعرفهم وأرفعهم .. الخ، وعلى ذلك قسّ ما يمكنك أن تقيس من العلل والتأويلات المستفادة من حياة العرب. [شرح أبيات المغني/ ٧/ ١١٠].