فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه ... أخوها غذته أمه بلبانها
... لأبي الأسود الدؤلي ..
وشاهده: - البيت الثاني - تصرّف كان تصرف الأفعال الحقيقية في عملها فيتصل بها ضمير خبرها اتصال ضمير المفعول بالفعل الحقيقي نحو «ضربني» وضربته.
قلت: وأنا لا أستبعد أن يكون البيتان مصنوعين ومنحولين، للاحتجاج بهما على قضية «النبيذ» أحلال هو أم حرام؟ لأن المفسرين اختلفوا في مراد الشاعر: فذكر بعضهم أن سبب هذا الشعر أن مولى لأبي الأسود الدؤلي كان يحمل تجارة إلى الأهواز، وكان إذا مضى إليها، تناول شيئا من الشراب، فاضطرب أمر البضاعة. فقال أبو الأسود هذا الشعر ينهاه عن شرب الخمر.
فاسم «يكنها» ضمير الأخ. و «ها» ضمير الخمر وهو خبر يكن، واسم تكنه ضمير الخمر، والهاء ضمير الأخ وهو خبر تكن. وأراد بأخي الخمر الزبيب يقول: دع الخمر، ولا تشربها، فإني رأيت الزبيب الذي هو أخوها ومن شجرتها مغنيا مكانها، فإلا يكن الزبيب الخمر أو تكن الخمر الزبيب، فإن الزبيب أخو الخمر، غذته أمه بلبانها، يعني أن الزبيب شرب من عروق الكرمة كما شرب العنب الذي عصر خمرا، وليس ثمة لبان وإنما هو استعارة.
وقال جماعة: أراد بأخي الخمر نبيذ الزبيب: فوصف نبيذ الزبيب وأطلقه على مذهب العراقيين في الأنبذة، وحثّ على شربه وترك الخمر بعينها للإجماع على تحريمها، وجعل الزبيب أصلا للخمر لأن أصلها الكرمة، واستعار اللّبان لما ذكره من الأخوة. وقال الزجّاج في تفسير قوله تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ...» الآية [البقرة: ٢١٩]: وقد لبّس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له: إن هذا المسكر الذي سمّوه بغير الخمر حلال، فظنّ أن ذلك كما قيل، ثم ردّه طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد. فقال:
دع الخمر يشربها الغواة ... البيتين.
والذين قالوا: إنه أباح النبيذ، لا يصحّ قولهم، وكذلك لا يصحّ قول الزجاج بأنه لبّس عليه: فأبو الأسود تابعيّ ثقة عند أهل الحديث، وقالوا: إنه كان ذا دين وعقل ولسان