قلت: وهذا التقسيم صحيح، عند العلماء الأوائل الأقدمين؛ لأن حكمهم قام على استقراء النصوص التي وصلت إليهم. ولكن ظهر فيما بعد أن استقراء هؤلاء كان ناقصا، وأن هناك شواهد لم يطلعوا عليها، فلماذا لم يخرج الشاذ إلى دائرة الكثير الذي يباح الأخذ به وإن كان لا يصل إلى منزلة القياسيّ؟.
فدخول «ال» على الفعل عدوه من الشذوذ، والضرورة؛ لأنهم لم يكونوا يملكون عليها إلا الشاهد أو الشاهدين.
ولكن البغدادي في خزانة الأدب (ج ١/ ٣٢ - هارون) أحصى لدخول «ال» على المضارع ثمانية شواهد شعرية.
أما تكفي ثمانية شواهد - ولعلّ هناك شواهد أخرى لم تبلغنا - لإخراج الأسلوب من حدّ الشذوذ إلى حدّ الكثرة، وإلى إباحته في الشعر والنثر معا؟!.
واللغة التي تجمع بين الفاعل الظاهر والضمير، التي نبزوها بلغة (أكلوني البراغيث) ما زلنا ننبذها، ونخطئ من يستخدمها، مع تعاضد الشواهد القرآنية، والحديثية، والشعريّة على صحتها وجوازها، وقد أحسن ابن مالك النحوي عند ما سماها لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة» إشارة إلى ورودها في الحديث النبويّ الذي رواه الإمام مالك في الموطأ بل رواه أيضا بهذا اللفظ الإمام البخاري في صحيحه، وهي لغة موافقة لتخريج الآية «وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا»[الأنبياء: ٣].
وهي - كما أرى - لغة صحيحة، ولا يعدّ مخطئا من يستخدمها وإن كانت ليست الفصحى، ولكنها لغة فصيحة، ولك بعد ذلك أن تخرجها وتؤولها كما يحلو لك، [انظر كتابينا «الشوارد النحوية» و «الإمام الزهري» في الدفاع عن لغة الحديث النبوي].
٦ - الموازنة بين رواية الشعر، ورواية الحديث النبويّ:
اعتمد النحويون الأوائل في إثبات قواعدهم على الشواهد الشعرية، ولا تكاد تجد الأحاديث النبوية من شواهدهم إلا قليلا نادرا، وتبعهم على هذا المسلك النحويون المتأخرون - إلى أن جاء ابن خروف النحوي (علي بن محمد بن علي -