الذي نصبها، وهو فعل مضارع لم يسبقه ناصب؟ فقال سيبويه وآخرون: إن الفعل منصوب ب «أن» مصدرية محذوفة، وعلامة نصبه الفتحة، مع أنهم يقولون: إن دخول «أن» على خبر «كاد» ضرورة في الشعر، فالحذف ضرورة بعد ضرورة. والذين يتأولون كلام سيبويه دائما؛ ليكون صحيحا قالوا: إن الشاعر أجرى «كاد» مجرى «عسى»، و «عسى» تدخل «أن» في خبرها. وقال آخرون: إن الفتحة للبناء، فالفعل مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون توكيد خفيفة، ثم حذفت «النون»، وأصله «أفعلنه»، وفي هذا التخريج توكيد الفعل بدون سبب موجب، أو مجبر للتوكيد. وقال المبرد: أصله:
«أفعلها»، فالفعل مرفوع ثم حذف «الألف»، ونقل حركة «الهاء» لما قبلها.
قلت: وتخريجاتهم كلها باطلة تقوم على الوهم؛ لأنهم لم يسمعوا هذا الشعر من صاحبه، ولا تحققوا أن البيت قاله ذاك العربيّ، فقصة امرئ القيس فيها كثير من الخلط والتخليط، وهي بعيدة عن زمن الرواية، ونحن نقول: ربما زاد أحدهم هذا البيت؛ لغرض في نفسه، وأراد أن يماحك النحويين، ويوقع البلبلة بينهم، وربّما قال هذا الشعر المنسوب إليه حقا، ولكنه وقع في الوهم فنصب. وإنني ليشتد عجبي من النحويين الذين يلتمسون الأعذار لشعر لا يعلم من سمعه من صاحبه، وهم ينقضّون كالضواري على نصّ حديث نبويّ، أو قراءة من القراءات، ويصفون رواة الحديث والقراءات بما لا يليق من أوصاف، مع أن الزمن بين رواية الحديث وتدوينه كانت قصيرة، بل الزمن
بين الصحابة وتدوين اللغة والنحو، ليس بشاسع كما هو بين قول الشعر واستنباط النحو. مع العلم أن الحرص على لفظ الحديث والقراءات أشدّ من الحرص على لفظ الشعر، ولكن يظهر أن الخصومة هي التي أفرزت هذه الأحكام، فأهل الحديث لا يثقون برواية أهل اللغة، وقلّما تجد راوي شعر أو لغة موثقا في رواية الحديث، فأراد اللغويون أن يكيلوا الصاع صاعين، فقالوا ما قالوا، ولو أنهم أنصفوا، لكانت القراءات والأحاديث مقدّمة على رواية الشعر؛ لأنها أحدث عهدا وأقرب زمنا، ورواة الحديث والقراءات أوثق وأصدق، والله أعلم. [كتاب سيبويه ج ١/ ١٥٥، والإنصاف ص ٥٦١، والهمع ج ١/ ٥٨ وج ٢/ ١٧، والأشموني ج ١/ ٢٦١، واللسان «خبس»].
٥٢١ - مزّقوا جيب فتاتهم ... لم يبالوا حرمة الرّجله
البيت منسوب لطرفة بن العبد. واستشهدوا بالبيت على أنه قد جاء عن العرب، «رجله»، ب «التاء»؛ للفرق بين جنس المذكر والمؤنث. [شرح المفصل ج ٥/ ٩٨، واللسان «رجل»].