فقد واهقت اليدان الرجلين. وقال النحاس: رفع الرجلين واليدين؛ لأن كلّ واحد منهما قد واهق الآخر، فهما الفاعلان. ولكن سيبويه جعل المواهقة بين رجلي ويدي الأتان، والمواهقة في البيت بين رجليها، ويدي الحمار؛ لأن يديه، تواهق رجليها، وكأنه يضع قدميه، حيث كانت رجلاها؛ ليساير الحمار أتانه. وقد نقله ابن منظور في اللسان كما رواه سيبويه، ولكنه جاء هكذا:«تواهق رجلاها يداه»، فجعل المواهقة بين الحمار والأتان.
وقد اعتذر خدام كتاب سيبويه له، فنقل البغدادي عن ابن خلف قوله: احتج سيبويه بما سمع من إنشاد بعض العرب بالرفع فيهما، وإذا أنشد العربي الذي يحتج بشعره وكلامه بيتا متقدما على ضرب ولفظ غير الضرب المشهور، فقول العربي الراوي حجة، كما أن قول الشاعر الذي قال الشعر في الأصل حجة. قلت: وهذا الاعتذار، يقدمونه عند كل رواية لسيبويه، تخالف المشهور من شعر الشاعر، وهو اعتذار غير مقبول، ولا يضير سيبويه أن نقول إنه أخطأ، أو سها، أو وهم، وإنما نعتذر له بقول القائل:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه
[اللسان «وهق» وشرح أبيات المغني ج ١/ ١٧١، وكتاب سيبويه ج ١/ ١٤٥، وشرح أبيات سيبويه للنحاس ص ١٣١].
٤٧ - وذبيانيّة أوصت بنيها ... بأن كذب القراطف والقروف
البيت من قصيدة للشاعر معقّر بن أوس بن حمار البارقي، مدح بها بني نمير، وذكر ما فعلوا ببني ذبيان بشعب جبلة، وهو من أيام العرب، وكان معقر حليفا لبني نمير.
والقراطف: جمع قرطف، على وزن جعفر، وهو القطيفة، أي: كساء مخمل.
والقروف: جمع قرف: بفتح فسكون، وهو وعاء من جلد يدبغ بقشر الرّمان، ويجعل فيه لحم يطبخ بالتوابل، ويتزود به في الأسفار، وفي أيامنا يسمون هذا اللحم «القاورما»، وقد مضت أيامه؛ لأن التبريد حلّ محله، وكانوا يذبحون الخروف ويقلبونه على النار في دهنه، ويضعون عليه البهارات والتوابل، ويخزنونه في صفيحة، يأكلون منه فصل الشتاء كله، ويحمل منه الحاجّ في سفره إلى مكة والمدينة.
وقوله: وذبيانية: «الواو»، واو ربّ، يقول: ربّ امرأة ذبيانية أمرت بنيها أن يستكثروا من نهب هذين الشيئين، إذا ظفروا بعدوّهم، وغنموا؛ وذلك لحاجتهم، وقلة مالهم.