وكيف يكون ذلك وليس لهم أرض ينطلقون منها، بل كيف قالوا ذلك وفلسطين جزء من أرض العرب؟ ثم اتفقت الحكومات العربيّة على أن (م ت ف) الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهذا الخطأ الأكبر؛ لأنه يعني التخلّي التام عن الاهتمام بشؤون فلسطين، وأن لكل هيئة حاكمة حقّ التصرف في الأرض التي تحكمها، وهذا صحيح حسب ميثاق الأمم المتحدة، وميثاق الجامعة العربية التي أسستها بريطانيا، ولكنه ليس صحيحا إذا عرضناه على قانون الإسلام والعروبة والقوميّة؛ لأن الرسول عليه السّلام، مثل المجتمع المسلم، بقوم ركبوا سفينة، فجاء أحدهم وقال: هذه قسمتي، وأخذ يخرق في حصته من السفينة، فإن تركوه، هلكوا جميعا، وإن منعوه، نجوا جميعا. وأنا أقول هذا وأنا متلبس بالقيم الدينية والقوميّة، ولكنني لا أقوله إذا انسلخت عنها، وقد لا يعيبني الناس إذا نظرت للموضوع نظرة شخصية صرفة، مدفوعا بالمنفعة الشخصية؛ ذلك أنّ أهل فلسطين - وبخاصة أهل قطاع غزة - ذاقوا مرارة الطرد والتشريد والحصر والحبس منذ سنة ١٩٤٧ م إلى اليوم الذي أكتب فيه هذا الكلام، وقد عانينا مرارة الطرد والتشريد من العرب، بل من الحكومات العربية، أكثر مما عانيناه من الأعداء، كلما
قصدنا إلى قطر حالت شرطة الحدود دون دخولنا، ونرى بأعيننا قوافل أمم الأرض كلها تدخل بالتأهيل والترحيب، أليس من حقّي أن تكون لي هوية، أو وثيقة سفر تمنحني القدرة على التجوال والضرب في الأرض؛ لكسب لقمة العيش الشريف؟ وهذا ما أطمح إليه، وأطمع فيه، إذا نظرت للقضية نظرة منفعية خالصة، وكلّ العرب ينظرون إلى منافعهم الخاصة، فهم الذين ألجؤوا الفلسطيني إلى القول:
نفسي أولا ومن بعدي الطوفان، أم يريدون منا وحدنا أن ندافع عن قلب العرب الذي يحيا به العرب بعامة؟!
[الخزانة/ ٧/ ٤٦١، والهمع/ ١/ ٤٣].
٤٥ - كأنّ بين فكّها والفكّ ... فارة مسك ذبحت في سكّ
الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي، يصف امرأة. والفك: عظم الحنك، أو اللّحي، وهو الذي عليه الأسنان. وصف امرأة بطيب الفم، يريد أن ريح المسك يخرج من فيها.
والفارة: وعاء المسك. وذبحت: شقّت وفتقت. والسّك: نوع من الطيب.
والبيت شاهد على أن المثنى أصله العطف بالواو؛ ولذلك يرجع إليه الشاعر في الضرورة، أو بغرض التفخيم، فقال في البيت:«بين فكها والفكّ»، وكان القياس أن يقول: