والرجز شاهد على أنّ أصل المثنى العطف بالواو؛ فلذلك يرجع إليه الشاعر في الضرورة كما في البيت، فإن القياس أن يقول:«ليثان». لكنه أفردهما وعطف بالواو؛ لضرورة الشعر. وقد يفعلون هذا في الجمع أيضا كقول أبي نواس:
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم الترحّل خامس
ويرى ابن الشجري في أماليه، أنك إن استعملت هذا في السعة، فإنما تستعمله لتفخيم الشيء الذي تقصد تعظيمه، كقولك لمن تعنّفه بقبيح تكرر منه، وتنبهه على تكرير عفوك:
قد صفحت عن جرم وجرم وجرم وجرم. وكقولك لمن يحقر أيادي أسديتها إليه، أو ينكر ما أنعمت به عليه: قد أعطيتك، ألفا وألفا وألفا، فهذا أفخم في اللفظ، وأوقع في النفس من قولك: قد صفحت لك عن أربعة أجرام، وقد أعطيتك ثلاثة آلاف. قال أبو أحمد: وهذه لفتة ذكية من ابن الشجري، فما زال الناس يقولون هذا الأسلوب.
هذا، وقد نسب الجاحظ هذا الرجز - في كتاب المحاسن - إلى جحدر بن مالك الحنفي، في قصة كانت أيام الحجاج بن يوسف، وتفيد القصة أن جحدرا كان فاتكا، فأمسك به، ووضع مع أسد في حومة، فقتل الأسد، وهو يرتجز هذا الرجز، ولكن واثلة أقدم من جحدر، فمن المحتمل أن يكون سمعه وتمثّل به، والله أعلم، فقد توفي واثلة سنة ٨٣ هـ، وهو ابن مائة، وقيل توفي سنة ٨٥ هـ، وهو ابن ثمان وتسعين سنة، وتوفي في بيت المقدس، أو في إحدى قرى فلسطين. ومما لا شكّ فيه أن واثلة - أبا قرصافة شارك في فتح فلسطين، وعودة الأرض إلى أهلها العرب، وطرد الروم. واليوم: الجمعة ٢٤/ ٣ / ١٤١٤ هـ - ١١/ ٩ / ١٩٩٣ م، أقرّت (م ت ف) بملكية اليهود لفلسطين، وأعلنت إلغاء فرض الجهاد - ولو بالحجارة - في سبيل إرجاع الأرض المقدسة، بل كانت الفرحة أكبر؛ لأن الاسرائيلين اعترفوا بوجود (م ت ف)، وتمثيلها للفلسطينيين، وأشهد الله أن الحكومات العربية منذ سنة ١٩١٧ م حتى سنة ١٩٩٣ م - وقلت: الحكومات، ولم أقل - الشعوب - هي التي أوصلت الأمر إلى هذا الحدّ؛ لأن الحكومات كانت تحمي حدود الأرض الفلسطينية التي اغتصبها اليهود، وتمنع تسلل المجاهدين إلى أرض فلسطين، فعاش اليهود في حصن حصين، ثم قالوا: إنّ أهل فلسطين هم المسؤولون عن تحرير الأرض،