زعم نقّاد الشعر العربي القديم، أن القصيدة العربية مفككة الأوصال، ولا يربطها رابط، وأن البيت وحدة القصيدة وليس بين أبيات القصيدة وأجزائها وحدة عضوية.
وقد شاعت هذه المقولة منذ بداية العصر الحديث، وأصبحت من المسلّمات التي يتناقلها النقاد خلفا عن سلف، وما زالت سائدة في الكتب الجامعية والمدرسية.
وفي المعجم الذي بين يديك أيها القارئ نحو أربعة آلاف شاهد شعري وإذا تتبعت الشواهد التي استلّت من مقطوعة أو قصيدة، فإنك ستجد مئات أو آلافا من الشواهد التي تبطل مقولة النّقاد.
إننا نجد البيت المفرد في كتاب النحو؛ لأن المؤلف لا يهمه إلا كلمة واحدة من هذا البيت، ولذلك يرويه مفردا، ولكن مفهوم البيت لا يتم إلا بقراءة سابقة ولاحقة.
وقد أصدر النقّاد حكمهم بناء على قراءة ناقصة لنماذج قليلة من الشعر الجاهلي مع عدم استشعار الروح الفنية التي تسود في القصيدة الواحدة، ويمكننا أن نقول:
إن الذين أصدروا هذه الأحكام كانوا غرباء عن الحياة العربية، ولم يتقمصوا شخصية الشاعر وهم يقرؤون قصيدته.
ونحن نقول: إنّ قراءة نماذج قليلة من قصائد الشعر الجاهلي، لا تؤدي إلى إصدار حكم عام .. لأن كثيرا من النماذج الجاهلية، جاءها التفكك المزعوم من الرواية، فربما قدم الرواة ما حقه التأخير، وربما أنقص بعضهم أبياتا، وزاد بعضهم أبياتا أخرى. وكيف يقولون إن البيت وحدة القصيدة - يعني أنه يفهم وحده - ونحن نجد آلاف النماذج من الأبيات التي لا تفهم إلا في سياق ما بعدها، وما قبلها. واقرأ قول عنترة بن شداد:
ومدجج كره الكماة نزاله ... لا ممعن هربا ولا مستسلم
فهذا البيت لا يفهم إلا إذا قرأت ما بعده، وهو:
جادت يداي له بعاجل طعنة ... بمثقّف صدق الكعوب مقوّم