والبيت شاهد على أن المضارع (فلقد يكون) مؤول بالماضي، أي: ولقد كان.
[الخزانة/ ١٠/ ٤] وانظر الشعر والشعراء، ترجمة زياد الأعجم.
١٠ - يا لقومي من للعلا والمساعي ... يا لقومي من للندى والسماح
يا لعطّافنا ويا لرياح ... وأبي الحشرج الفتى النفّاح
من شواهد سيبويه المجهولة، والبيت الثاني شاهد على أنّ اللام في المعطوف فتحت ك «لام» المعطوف عليه لإعادة «يا»، فأبي الحشرج معطوف على يا لعطّافنا، وعطّاف ورياح وأبو الحشرج أعلام رجال، والنفّاح: الكثير النفح، أي: العطية.
رثى هذا الشاعر رجالا من قومه وقال: لم يبق للعلا والمساعي من يقوم بها بعدهم.
١١ - وأنت من الغوائل حين ترمى ... ومن ذمّ الرجال بمنتزاح
لإبراهيم بن هرمة يرثي ابنه، وقوله: منتزاح مصدر ميمي فعله انتزح. ينتزح، أي:
بعد، وأنت بمنتزح من كذا، أي: بعيد منه، والشاهد «منتزاح» أصله «منتزح» لكنه لما اضطر لإقامة الوزن أشبع فتحة الزاي، فنشأت عن هذا الإشباع ألف، ولا يعجبني هذا القول في تعليل مجيء القافية على هذه الصورة، فالشاعر لم يضطر إلى ذلك وزنا، لأن الشاعر الفحل لا يعجز عن الإتيان بكلمة مناسبة لوزن بيته، وتكون متمشية على سنن العربية، ولولا أن الشاعر سمع أهل الفصاحة يقولون الكلمة ما قالها بل إن ذوقه الأدبي هذاه إلى هذا الاستعمال، فالشاعر حزين على فراق ولده، وما من حزين إلا يمدّ صوته في أواخر الكلمات التي يندب بها الفقيد، فهو لا يتصوّر نفسه واقفا على منبر يخطب الناس وإنما هو يبكي، وقد اختار الشاعر مدّ فتحة الزاي، ولم يختر مدّ كسرة الحاء، لأن الفتحة التي صارت ألفا أرأف بحال الحزين، حيث إنّ مدة الألف أرقّ من مدّة الياء.
أقول هذا: لأنّ النحويين سامحهم الله أكثروا من القول بلجوء الشعراء إلى الضرورات، ليساير الشعر رأيهم الذي وضعوه في النحو، فنسبوا فحول الشعراء إلى الخطأ ... وما دام هذا المدّ قد كثر في الشعر لماذا لم يجعلوه قاعدة مباحة، بدلا من القول إنه من الضرورة الشعرية؟ وبذلك ندفع عن شعرنا هجمات الأعداء الذين قصّوا قوافي القصائد ولجؤوا إلى الشعر الحرّ، ركونا إلى ما يقال: إن القافية تؤدي إلى الحشو، والضرائر. [الإنصاف