وقوله: تهددنا: الخطاب لعمرو بن هند، أحد ملوك العرب في الجاهلية. وكان عمرو بن كلثوم قتل عمرو بن هند، بسبب قصة فيها ما يصدّق، وفيها المصنوع، فلا بدّ أن الرواة أخذوها من بني تغلب، وبين الرواية والقصة وقت طويل. وإذا تناقل أهل مفخرة قصة المفخرة، يزيد فيها كلّ جيل ما لم يكن في الجيل السابق، لتصبح الحادثة الصغيرة أسطورة قوميّة، يستخدمونها في حث أبنائهم على الشجاعة والمجالدة، وقد قالوا إن بني تغلب كانوا يتفاخرون زمنا طويلا بقصة عمرو بن كلثوم، ويتناشدون القصيدة التي تحكي القصة، حتى وصل أمرهم إلى الانحطاط، فقال قائل:
ألهى بني تغلب عن كلّ مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
وفي عهد الضعف يكثر الخلق الفني لشخصيات خيالية، أو تضخيم شخصيات كان لها شأن يذكر في باب الشجاعة. ويبدو لي - والله أعلم - أن عصور الضعف التي حلت بالعرب المسلمين، هي التي ضخمت شخصية عنترة بن شداد، ومن لفّ لفّه من القصص الشعبي، وهي قصص رمزي يصنعه أهل الغيرة على الوطن، لحثّ الناس على الجهاد، وربما ألفّوا كتبا ونسبوها إلى شخصيات حقيقية في زمن سابق، كما فعلوا في كتاب «فتوح الشام» الذي نسبوه إلى الواقدي، وليس له صلة بالواقدي وإنما صنعه المؤلفون، ووضعوا فيه تاريخ فتح الشام بصورة تمزج الخيال بالواقع لحث الناس على طرد الصليبيين من بلاد الشام التي تضمخت بدماء الصحابة الفاتحين. وربما كان من الشخصيات التي جمعت بين الحقيقة والخيال: شخصية ضرار بن الأزور وأخته خولة، لأن ضرار بن الأزور قتل أيام حرب الردّة، فكيف يشارك في فتح الشام؟
نعود إلى البيت:
قوله: تهددنا: يروى بالمضارع كما أثبتّ ويروى: تهدّدنا وأوعدنا، بالجزم على أنه