أما إذا كان الفعل الماضي مستقبلا في المعنى، فلا يجب التكرار، كقول الشاعر:
حسب المحبين في الدنيا عذابهم ... تالله لا عذّبتهم بعدها سقر
فإنّ عذاب سقر في المستقبل، وقال الشاعر:
لا بارك الله في الغواني هل ... يبتن إلا لهنّ مطّلب
أقول: إن الشواهد على التكرار، وعدم التكرار، كثيرة؛ ولهذا فهي جائزة في الصورتين. [اللسان «زنا»، والإنصاف/ ٧٧، وشرح المفصل ج ١/ ١٠٩، وشرح أبيات المغني/ ٤/ ٣٩٢].
١١٤ - فردّ على الفؤاد هوى عميدا ... وسوئل لو يبين لنا السؤالا
وقد نغنى بها ونرى عصورا ... بها يقتدننا الخرد الخدالا
والخرد: بضم الخاء والراء، جمع خريدة، وهي المرأة الحيية الطويلة السكوت، أو هي البكر التي لم تمس. والخدال: بكسر الخاء، جمع خدله، بفتح فسكون، وهي الغليظة الساق المستديرتها.
وقوله: نغنى بها، أي: بالمنزل، أنثه؛ لأنه معنى الدار. والعصور: الدهور: نصبه على الظرف. ويقتدننا: يملن بنا إلى الصّبا.
والشاهد في البيت الثاني:«ونرى يقتدننا الخرد الخدالا»: حيث كانت هذه العبارة من باب التنازع؛ لتقدم فعلين هما:
«نرى» و «يقتاد»، وتأخر معمول وهو «الخرد الخدالا»، وقد أعمل الشاعر الفعل الأول في هذا المعمول، بدليل أنه نصبه وأتى بضميره معمولا للفعل الثاني، وهو «نون النسوة»، والقوافي منصوبة، بدليل البيت السابق، ولو أنه أعمل الفعل الثاني، لقال:«نرى يقتادنا الخرد الخدال»، فيرفع المعمول على أنه فاعل ل «يقتاد»، ويحذف ضميره؛ لكون الأول يطلب معمولا فضلة، وهذا يدل على أن إعمال العامل الأول أولى، وهو مذهب الكوفيين. والحقّ أن إعمال الأول جائز، وكذلك إعمال الثاني، بدون مفاضلة. [سيبويه/ ١/ ٤٠، والمقتضب/ ٤/ ٧٦ - ٧٧، والإنصاف/ ٦٥ - ٨٦].