وزعموا أن عمر بن الخطاب سمع منه القصيدة، ولم يعبه إلا في تقديم الشيب على الإسلام. وهذا كله كذب وبهتان. فكيف يسمعها عمر، وفيها هذا البيت المفحش، ولو أن الشاعر قاله في زوجته حليلته ما كان مرضيا. فهذا البيت يقول: إنها كانت تحتضنه بيديها ورجليها، فأصابع اليدين عشرة، وأصابع القدمين عشرة، والمجموع عشرون ومما يدلك على أن هذا البيت مصنوع، أنه جاء بالقافية نفسها، بصورة أخرى يقول:
توسدني كفّا وتثني بمعصم ... عليّ وتحوي رجلها من ورائيا
وهنا تكون الأصابع التي وراءه عشر فقط لأن إحدى يديها تطوقه، وكفها وسادة له، وتحوي قدما واحدة وراءه.
وقد استشهدوا بالبيت للفصل بين العدد وتمييزه (عشرون - منها - إصبعا) وذلك للضرورة. ولو كان الذي قال هذا البيت شاعرا ما اقترف هذه الضرورة القبيحة - وإنما هذه صناعة نحوي سمج.
قلت: في التعليق على أبيات سابقة له: إن الأدباء، ورواة الأدب، لا يهمهم إلا أن يقال: إن هذا الشعر منسوب لفلان، ولا يحققون في قصة الشعر، ولذلك فإنهم يسخرون من عقول القرّاء عند ما يسجلون أحداثا كاذبة في كتبهم تنافي وتخالف الواقع التاريخي.
فزعموا أنّ سحيما هذا أحرقه أهل عميرة التي يشبب بها بالنار. ومتى كان هذا؟ في عهد الخلفاء الراشدين. ألم يكن هناك خليفة يحكم بما أنزل الله؟ وهل هناك حدّ للزنى أكثر من الرجم؟ ثم إنّ سحيما لم يثبت عليه الزنى، وإنما قال شعرا يذكر أنه فعل الفاحشة بعمرة. فهلّا ساقوه إلى الخليفة - وكان في أيام عثمان كما زعموا - فإن أقرّ على نفسه رجم إن كان محصنا وجلد وغرّب إن كان أعزبا. وإن لم يقرّ، ولم يشهد عليه شهود غرّب عن موطنه الذي فيه الحبيبة، كما روي أن عمر كان يفعل. وينقل ابن حجر في الإصابة -