هذا البيت من شعر مضاض بن عمرو الجرهمي، يقوله حين أجلتهم خزاعة عن مكة، والحجون: بفتح الحاء، جبل من مكة فيه مدافن أهلها. والصفا: جبل آخر في مكة، وهو الذي يبدأ منه السعي: والمعنى: يتحزن على مغادرتهم بلادهم وإجلائهم عنها، فيقول: إننا بعد أن فارقناها صرنا غرباء عنها وكأننا لم نسكن بقاعها، ولم نجتمع في نواديها، وهذا البيت أول أبيات ستة، من أرقّ الشعر وأعذبه، تمثل حال كل غريب عن وطنه، فجعه أهل زمانه بحرمانه من مسقط رأسه ومرابع ذكرياته.
ومسارح أهله، وهي لسان حال جيرة المسجد الأقصى اليوم ١٤٠٩ هـ - ١٩٨٩ م واكتب هذه الحروف، والشوق
إلى مرابعي قد هدّ أركاني، فلما قرأت بيت مضاض بن عمرو الجاهلي القديم، حزنت والله لحاله، لأنني أقاسي من آلام الغربة ما قاسى، ويقاسي مثلي مئات الألوف، لأننا كما قال في بيت لاحق في دار غربة بها الذئب يعوي والعدوّ المكاشر وهاك بقية الأبيات:
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر
فأخرجنا منها المليك بقدرة ... كذلك، يا للناس تجري المقادر
فصرنا أحاديثا وكنّا بغبطة ... كذلك عضّتنا السّنون الغوابر
وبدّلنا كعب بها دار غربة ... بها الذئب يعوي والعدوّ المكاشر
فسحّت دموع العين تجري لبلدة ... بها حرم آمن وفيها المشاعر
والشاهد في البيت الأول: كأن لم يكن ... حيث خفّف «كأن» وحذف اسمها وأتى بخبرها جملة فعلية. وفصل بين (كأن) وخبرها ب لم، وهو شرط عملها إذا كان خبرها جملة فعلية، وقد يفصل ب (قد) عند الإثبات، وذلك للفرق بين كأن المخففة من «كأنّ» و «كأن» المركبة من حرف الجرّ، و (أن) المخففة من «أنّ»، حيث لا يفصل بينها وبين خبرها (قد) ولا «لم».
١٤٥ - فلا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا
البيت منسوب للفرزدق، ولرجل من عبد مناة بن كنانة. والبيت في مدح مروان ابن الحكم، وابنه عبد الملك، وكنى بارتدائه المجد وتأزره به، عن ثبوته له. وأفرد الضمير فقال:«إذا هو» مع أن حقه التثنية، فيقول:«إذا هما ارتديا» ارتكانا على فهم السامع وتعويلا على أنّ إسناد الشيء إلى أحدهما كإسناده إليهما جميعا، إذ كان الغرض