نشاط مثل الفحل الهائج في وقت الضرّاب، ثم يقول: ذكرا فوائد الناقة:
تفرّج للمرء من همّه ... ويشفى عليها الفؤاد السّقم
ثم يذكر البيت الشاهد:
وقوله إلى المرء: ال: في المرء لاستغراق خصائص الأفراد نحو زيد الرجل أي:
الكامل في هذه الصفة. وقيس: بدل من المرء. والسّرى: يكون أول الليل وأوسطه وآخره.
وقوله: وآخذ: معطوف على أطيل السرى، وعصم: جمع عصام، يعني عهدا يبلغ به ويعزّ به أو عصم: جمع عصمة: بكسر العين، وهو الحبل والسبب مثل قوله تعالى وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة: ١٠] وإنما كان يأخذ من كل قبيلة عهدا إلى قبيلة أخرى، لأن له في كل حيّ أعداء، ممن هجاهم أو ممن يكره ممدوحه، فيخشى القتل، فيأخذ عهدا، ليصل سالما إلى ممدوحه. وهذا من الخيوط الدقيقة التي تربط أجزاء القصائد القديمة، من غزل، ووصف طريق، ووصف ناقة، ووصف معاناة الطريق وإن شئت قلت: هي كالمقدمة الموسيقية التي تهيج وتشوق إلى سماع الإنشاد، فليست مبتوتة الصلة بما بعدها كما يزعم الجهلة الذين يقرؤن الشعر القديم، وينعقون وراء كل ناعق.
ومحل الشاهد في البيت: أن الشاعر وقف على المنصوب المنون بالسكون، ولم يبدل تنوينه ألفا. وكان القياس أن يقول: عصما: لأنه مفعول (آخذ) ولكن وقف عليه كما يوقف على المرفوع والمجرور. هذا: وفي القصيدة، صور إنسانية صادقة، تأخذ بمجامع قلب الغريب عن أبنائه، وتحثه إلى شدّ الرحال للعودة إليهم، لتغذيتهم بالحنان الأبويّ الذي لا يغني عنه مال الدنيا، يضعه تحت أقدامهم. فاستمع إلى أبياته التالية، وعش هذه التجربة:
تقول ابنتي حين جدّ الرحيل ... أرانا سواء ومن قد يتم
فيا أبتا لا تزل عندنا ... فإنا نخاف بأن نخترم
فلا رمت يا أبتا عندنا ... فإنا بخير إذا لم ترم
ترانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى ويقطع منا الرّحم
[الخزانة ج ٤/ ٤٤٦، والخصائص ج ٢/ ٩٧ وشرح المفصل ج ٩/ ٧٠، وديوان الأعشى].